ربما لو كان لكرة القدم ابن، لاختارت أن يكون ليونيل ميسي، تلك الشقية، الدوارة، المجنونة، لم تبخل عليه بسحرها وأسرارها، فمنحته كل ما ضنت به على غيره، فصنع وهو في الرابعة والعشرين ما لم يصنعه غيره، ولو واصل الأداء كما هو الآن، لبلغ قمة لن يبلغها سواه. هو ابن الكرة وشقيقها، وصديقها، وأقرب المقربين إليها، وفعل معها ما لا ترضاه من سواه، وكأنه السيد الذي تسلم قيادتها، حتى بدا وكأنه «في الهواء» يتحول من اتجاه إلى اتجاه، ويتخذ القرار قبل أن يحدد المسار. لم يعد معقولاً ما يفعله ميسي، لكنه منذ أن بدأ وهو في دائرة «اللا معقول»، وليس ضرباً من جنون، فهو أعقل أهل الكرة، وأذكاهم، ولكن المسألة ببساطة، أن هذا الساحر الأرجنتيني القصير، أراد أن يصبح لاعباً لكل العالم، وقد كان، فابن الكرة لكل من يحب الكرة. الآن، من جديد، تتعدد حوارات المقارنات، بين ميسي وغيره، وهل هو الأسطورة أم مارادونا أم بيليه، أم غيرهما، وفي رأيي فإن هذا السؤال لم يعد مستساغاً هذه الأيام، فالفتى الذهبي، يصنع كل يوم جديداً، ويحطم كل صباح رقماً، وما يحتاج من غيره لشهور أو سنوات، ربما يفعله ميسي في مباراة. أمس الأول، حقق ميسي رقماً جديداً بأن أصبح الهداف التاريخي للبارسا في الدوري، برصيد 234 هدفاً، محطماً رقم سيزار رودريجيز، بينما لا يزال في بداياته وعلى أعتاب توهج ونضج جديد. يقولون إنه لم يفز مع بلاده حتى الآن بكأس العالم، بينما العالم من حولنا، يضج من فرط النشوة بما يفعله هذا القصير الماكر، ويقولون إنه لاعب في عصر «الديجيتال» بينما غيره، كانوا في عصر الهواية، ولكن بماذا نسمي لعبه إن لم يكن سحراً، وبماذا نسمي أهدافه إن لم تكن إبداعاً يراودك في أحلامك وكأنه مس من جنون. كثيرة هي الأرقام التي حققها ميسي، الحائز على قرابة 70 لقباً شخصياً حتى الآن، والفائز بجائزة الكرة الذهبية للعام الثالث على التوالي في الاستفتاء على لقب أفضل لاعب في العالم، والذي كان يوماً أصغر هداف في تاريخ النادي الكاتالوني، وهو على مشارف الثامنة عشرة، وأصغر لاعب يشارك في مباراة بالدوري الإسباني في تاريخ النادي الكتالوني، وكان لا يزال في السادسة عشر من عمره، وصاحب أكبر عدد من المباريات مع برشلونة بين جميع اللاعبين الأجانب، وصاحب أعلى متوسط من الأهداف بلغ هدفين في كل ثلاث مباريات، وأول لاعب يحرز خمسة أهداف في مباراة واحدة بدوري أبطال أوروبا وكانت أمام باير ليفركوزن الألماني.. من مثل ميسي الذي جمع 18 بطولة مع البارسا، و18 هاتريك، و234 هدفاً؟ ماذا لو واصل ميسي عطاءه لسبع أو ثماني سنوات قادمة، ولم يفز بكأس العالم، وماذا إن حققها.. ألن يظل أسطورة؟ للمغرقين في التاريخ، ولمن حبسوا أنفسهم داخل صفحات «من زمن فات»، ولمن يقارنون بينه وبين غيره، ألا تكفيكم الأرقام؟، وألا يكفيكم ما تشاهدون، وتلك الصرخات التي ترافقه في الملاعب.. ألا يكفيكم، أنه يكتب للعبة تاريخاً جديداً، اسمه تاريخ الكرة مع ميسي؟ كلمة أخيرة: النادرون كالجواهر .. بلا شوائب mohamed.albade@admedia.ae