لحظات مرت من التوتر الداخلي، والانتظار المجبرين عليه، كنت خلالها أسرق نظرة من طرف العين لرئيسي، وأدرك مدى أهميته، وعمله الطويل، وتفانيه الوطني الذي لم يقدره المسؤول المدني، ولا يعرفه، كدت أنفعل بحكم الشباب ونقص التجربة، لكنه نهرني بعينه، وأشار بيده إلى أسفل، لزوم الهدوء، وبعد دقائق طويلة وقوفاً، لف المسؤول المدني كرسيه، والتفت نحونا مرحباً، وباسطاً ذراعيه، إيذاناً بالجلوس، فسمع كلاماً جميلاً، ومرتباً من رئيسي، جعله مشدوهاً، ومنصتاً بطريقة مختلفة عن بداية اللقاء، ورأه بعين قادرة على التمييز الآن، وعقّبت أنا بكلمات موجزة كنت قد حضرّتها بيني وبين نفسي قبل يوم، حظيت بهزات رأس من رئيسي، ودون أي تعليق من المسؤول المدني، كانت مقابلة لم تتعد العشرين دقيقة، إذا ما أنقصنا قراءة المسؤول المتأنية للكتاب، وتلك الطقوس في اللقاء التي لم تعجبني، وأثارت حفيظتي، وكدت أن أتصرف برعونة الشباب، لولا حنكة وصبر رئيسي الذي علمني أشياء جميلة في بداية الحياة العملية، أولها وآخرها الثقة بالنفس، وامتلاك المعلومة، ومنطق السرد، كانت عشر دقائق، لكنها خلاصة تجربة جميلة في الحياة!
وبعد سنوات تم اختياري لأكون رئيس اللجنة الإعلامية في إحدى البطولات العربية، ولكن مع رئيس آخر، يختلف تماماً عن ذلك الرئيس الأقرب إلى الأب، الرئيس الجديد دمه خفيف، وطيب، لكنه كثير الكلام، يستحوذ على الجلسة، ويمكن أن يفتي في كل شيء، لكن أهم صفاته أنه يحب الإعلام، ويتحرق لأن تظهر صورته في الصحف، ويغضب كثيراً إذا ما ظهرت بالأبيض والأسود، كان يعشق الصور الملونة والكبيرة، وكان إذا ما قال لي، وهو كثيراً ما يقول لي: “تراك ناصر مقصر”، أدرك تماماً معنى تقصيري، بأن صورته غابت طوال الأيام الماضية، كانت البطولة سلسلة بمعاملته، وسرعة اتخاذه للقرار، لكنه ظل يعيق بعض عملي الإعلامي، لأنه كان يعشق الكاميرا، والميكرفون، وقبل الافتتاح بأيام، أراد أن يتجمل، ويتصرف إعلامياً، ويقترح أشياء لم أكن أعرف عنها، فقام بتركيب لافتات عن البطولة، والشعارات المصاحبة لها، واختار ما يعتقد أنها من الحكم وعبر المشاهير، وتفيد البطولة العربية، وخطها عند خطاط متأنٍ، وقام بزرعها عند بعض البيوت الكبيرة، والمناطق الحيوية، حتى تفاجأت بعد صلاة الفجر بهاتف منه، يصرخ، ويسأل وين؟ فقلت: الإنسان إذا لم يصل فجره، فهو في سريره، خير! مصيبة، اللافتات المكتوب عليها الشعارات، واحدة منها مكتوب عليها “أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة” فقلت: أيوه هذا شعار حزب البعث العربي الاشتراكي التقدمي، فصرخ: فكني من رمستك الحين، أنا من غبشة أقلّع هذه اللافتات، ما رقدت الليل، فقلت له: تراك ما تشاور، إن شاء الله ما غرزتهن هناك، المكان اللي خابرنه! وإن شاء الله ما كتبت تحت الشعار كعادتك مع تحياتي فلان! فصرخ.. وضحكت!


amood8@yahoo.com