في عاصمة الميادين، بالوثبة، وبينما تتابع «عالم الهجن»، بكل تفاصيله، وتقف على مفرداته وتتعرف على أسراره، ستوقن أولاً أن «شمس هذا العالم»، التراثي الآسر، هي «هجن الرئاسة»، فاسمها يتردد مدوياً من ميدان إلى ميدان، وإنجازاتها فوق الحصر، وكلمتها مسموعة، وحضورها قوي. ربما لا يمر سباق، هنا أو في أي دولة خليجية، دون أن تترك بصمتها، وربما دون أن تستحوذ عليه، كما كان الحال بالأمس، حين حققت كل الرموز في اليوم الختامي لمهرجان الوثبة لسباقات الهجن، بعد أن خطفت سيف راعيها، صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، والسيف الذهبي لزمول الشيوخ، و«الخنجر الذهبي» لزمول المحليات، وكذا «الخنجر الذهبي» لحول محليات الشيوخ، وجاء الإنجاز عن طريق رباعي الناموس، «زاخر» و«جزيل» و«مهاوش» و«النهضة»، وهو إنجاز يدرك قيمته أولاً المنتسبون لهذا العالم الثري بتفاصيله، الغني بمشاهده، والذي يضج بفرحة «بكر»، تختلف كلياً عن فرحة الكرة أو السلة أو الطائرة أو غيرها، إذ يبدو أنه حتى الفرحة قادمة من الأيام الخوالي.. أيام البراءة و«الوناسة» والبساطة. بالأمس، كان الحدث بمقاييس أهل الهجن ومن يفهمون أسرارها، كبيراً، فاكتساح هجن الرئاسة لكل هذه الإنجازات، جاء يحمل دلالات عدة، أهمها وأغناها، أن التراث في قلب وعقل وبصر قيادتنا الحكيمة، التي تتخذ من ماضيها زاداً للمستقبل، وتضعه في مقلة العين، مكرماً، وتساهم في نهضته وتطوره، بأشكال شتى، منها التواجد في قلب المنافسة، فالعطاء والدعم هنا مصحوب بالتواجد في قلب الميدان، وليس مجرد المتابعة أو المشاهدة. وفي معظم أو كل الرياضات التراثية، أو تلك التي تستمد وهجها من موروثنا العربي والإسلامي، ستجد الرئاسة حاضرة، سواء في الرياضات البحرية التراثية، أو الخيول، وكذلك الرماية، وهو ما يحمل مضامين سامية، ويمثل دعوة لكل أبناء الوطن، بالتمسك بالجذور، والتباري في صون التراث، والارتقاء به، وإلباسه ثوب الحاضر الزاهي، مع ثوب الماضي العريق. بالأمس، كان الأمر أكبر من الفوز، فطوال مسيرتها اعتادت هجن الرئاسة أن تحقق الإنجاز تلو الإنجاز، ولكن الدلالة الأهم من تلك الصدارة والاكتساح، أنه جاء بإبداع منقطع النظير، بشهادة أهل التخصص، مما يعكس العمل الذي يحدث، والإعداد الذي يواكب الطموحات، وذلك درس آخر، لكل من يعمل في الشأن الرياضي بأن التفرد ممكن، ولكن العمل لابد وأن يبقى هو الأساس وهو المعيار، والبناء الذي نشيد عليه أحلامنا. بالأمس، اختتم مهرجان الوثبة، وطوال أيامه، تجلت الصورة التي وصفها معالي الشيخ سلطان بن حمدان آل نهيان رئيس اتحاد الهجن، حينما أكد أنها تجسد حالة رائعة من الحب الذي تكنه الدولة لهذه الرياضة، فجاء المهرجان إضافة لكونه إحياء واحتفاء برياضة الآباء والأجداد، ملتقى للمهتمين بهذا الجزء الغالي علينا، يستمدون من ماضيهم عوناً في رحلة الحياة الحديثة بكل ما فيها. أسدل الستار على مهرجان الوثبة، وكانت «هجن الرئاسة» هي المشهد الأبرز والأكثر إشراقاً، ومعها وطوال أيام المهرجان كان كل ما هناك مشرقاً، فتحية لمن يربطون الماضي بالحاضر كل يوم، برباط من العزة والفخر، وتحية لمن تمتد آياديهم لكل الوطن. كلمة أخيرة: شكراً لمن رفع في كل ميدان راية وجعل إسعادنا أول غاية. mohamed.albade@admedia.ae