الفتاة الكندية الصغيرة ذات الثلاثة عشر ربيعاً، والتي أسست هي وأربع من زميلاتها ما يشبه الجمعية أو المنظمة الخيرية لمساعدة المحتاجين من الصغار والمطالبة بحماية البيئة والأشجار والحيوانات من خطر الانقراض بفعل ممارسات الكبار الجشعة، هذه الصغيرة أثارت في داخلي الكثير من التداعيات ومن الأسئلة، فتلك الفتاة التي يتداول الكثيرون تسجيلاً مصوراً لكلمتها أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة، أثارت ما هو أكثر من الإعجاب والفخر في حقيقة الأمر، لقد تمكنت من السيطرة والاستحواذ على مشاعر وعقول واهتمام كل الحاضرين في الجلسة، فلم ينم بعضهم كما يفعلون عادة حين يلقي أحد كبار الرؤساء كلمة مملة، ولم يتسل آخرون بتنظيف أنوفهم أو التطلع للكاميرا ببلاهة واضحة، كان الجميع -الجميع بلا استثناء - ينصت لكلمات تلك الصبية الصغيرة!
كانت صغيرة بالفعل، ولقد كررت أنها صغيرة أكثر من مرة في خطابها ذاك، لتؤكد حاجتها للمجتمعين ككبار وكأصحاب مسؤولية وقرار، وأيضاً لتمنح نفسها مساحة وقدرة على توجيه أصابع الاتهام لهم تحت مبرر أنها صغيرة، يحق لها أن تقول ما تشاء وأنهم كبار يتوجب عليهم أن يسمعوها كما يجب، وتحت هذه المظلة تحركت الصغيرة بصدق وحرية ووعي حسدها عليه كل من استمع إليها، وعي بكل المخاطر التي تتعرض لها الأرض، خيراتها، محاصيلها، حيواناتها، فقراؤها، أطفالها، غلافها الجوي وكل شيء تقريباً، وكان أهم ما قالته تلك المقارنة الصادمة حول ما يتم تعليمهم إياه كأطفال في المدارس، وما يرونه ويعايشونه من تناقضات فاضحة في سلوك الكبار، فقدمت لهم سؤالاً مختصراً وصادماً: إذا كان ما لدينا نحن في كندا أو في أميركا كافياً لنعيش برفاهية فلماذا يقوم عالمنا بكل هذه الحروب لسرقة ثروات الفقراء؟ ولماذا يوجد أطفال لا يجدون مجرد مأوى يحميهم من النوم في الطريق في الوقت الذي نجد نحن في كندا البيوت والألعاب والطعام الجيد والرفاهية والتعليم وكل شيء؟
كانت الصغيرة في رحلة إلى إحدى دول أميركا اللاتينية حينما اصطدمت بوجود أولئك الأطفال المعوزين جداً، وعلى أثرها قررت هي وصديقاتها تأسيس تلك المنظمة الخيرية لجمع المعونات لهم وللمطالبة بوقف الاعتداء على حقوق كل طفل بأن يعيش في أمان من مخاطر الجوع والفقر والمرض، ولأنها كانت تتحدث بصدق كامل فقد وصلت دعوتها لقلوب الجميع!
تذكرت أولئك الأطفال في مدارسنا ومراكزنا والذين نعدهم للحديث عن قضية ما، فنجد أغلبهم يقرأ من ورقة أمامه دون أن يفهم حرفاً مما يقول، ببساطة لأنه لم يكتبه ولم يناقشه ولم يعه جيداً ليتمكن من طرحة بطريقته وبصدقه كطفل، نحن نقول: هؤلاء الأطفال ليقولوا ما نريد نحن أن يقولوه وأن لا يخرجوا على السطر تماماً مثلما نعلمهم في حصة اللغة العربية كيف يكتبوا على السطر، أو حين نعلمهم كيف يرسموا بالقلم والمسطرة في درس الرياضيات.
قضايا الحياة ليست درساً في اللغة العربية علينا أن نحفظه ونكتبه على السطر كما يريد الآخرون، وليست رسومات هندسية نرسمها بالمسطرة، في الحياة آراء وقضايا تشكل حياتنا ووجودنا وسعادتنا وصحتنا ومستقبل أبنائنا، وهذه نحتاج أن نعيها لنعرف كيف نعبر عنها بكلماتنا وبأقل قدر من المجاملة والتكلف، هذا ما يجب أن يعرفه ويعيه القائمون على أمر تأهيل وتعليم الأطفال كيفية طرح القضايا والتعبير عنها في المحافل الرسمية، اجعلوهم يفهموها جيداً ليتمكنوا من التعبير عنها بكلماتهم لا بكلماتكم أنتم!



ayya-222@hotmail.com