يبدو أن مبدأ «من ليس معي فهو ضدي»، قد زاد مداه، واتسعت مساحة من يعملون به، وإلا ما عانينا ما نعاني، بسبب رفض البعض لما نطرحه من وجهات نظر في تلك الزاوية، حد التجاوز، ووصفك بالعدو، فقط لأنهم يختلفون معك في الرأي، وإذا صادف في يوم من الأيام أن أعجب طرحك هذا الفريق، فالآخرون ممن كانوا معك، هم الذين سينقلبون عليك، وما بين هؤلاء وهؤلاء، ستتأكد أن «رضا الناس غاية لا تدرك»، وأن أي محاولة لتكتب ما يرضى عنه الفريقان مكتوب لها الفشل. والمفروض أنني ما دمت أعرف ذلك، ألا أشغل نفسي به، وأن أمضي في طريقي غير عابئ بمن ضدي، وربما بمن معي أيضاً، ولكن المشكلة تكمن في «ثقافة الاختلاف» التي لم يعد لها وجود تقريباً، لأنه فعلياً ربما لا يوجد من يختلف معك، ويقبل وجهة نظرك، ولكن ما يحدث أنك طالما خالفت فريقاً الرأي تصبح متهماً، وهنا نبدو جميعاً بحاجة إلى تغيير أنماط سلوكنا، لنصبح أكثر قدرة على تقبل الآخر، بشحمه ولحمه وطرحه أيضاً، وهو أمر ليس خاصاً بالشأن الرياضي، وإنما بالحياة ككل. منذ أيام كتبت عن حارس مرمى الوصل والمنتخب، ماجد ناصر، فاتفق معي من اتفق واختلف من اختلف، وبالأمس كتبت هنا، معارضاً فكرة الاعتزال، وأنها ليست الحل للأزمة التي وضع نفسه ووضعنا فيها، فاكتشفت أن أعضاء الفريقين السابقين من مؤيدين ومعارضين، تبادلوا المواقع، فصرت في مرمى سهام من أشادوا بي بالأمس، وفي قرة عين من كانوا ضدي، وعبر مواقع التواصل، اختفت «العقلانية»، وحلت محلها عاطفة مفرطة، يجب ألا تكون ما يحركنا، ويحدد توجهاتنا، لأننا بهذا التفكير، نشق على أنفسنا، ونغلق أمامها أبواباً مفتوحة، فالاختلاف جعل أولاً للتوسعة على النفس، وللمراجعة والأخذ والرد، وقديماً وحديثاً يقولون «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»، لكن ما أراه هذه الأيام أنه قد يفسدها وينسفها في بعض الأحيان. لست غاضباً على الإطلاق من فكرة أن يختلف معي غيري، ووجود فريقين في أي تعليق على زاوية، ربما يكون مصدراً لسعادتي، وسعادة أي كاتب، يرى في كلماته ما استحق أن يتكلم حوله الناس، ولكن ما أقرأه وأشاهده في دوائر الخلاف، وأحياناً يكون من أناس أحترمهم وأقدرهم كثيراً، يفزعني ما فيه من رؤى سطحية، تفتقد أبسط مقومات الحوار والتعاطي بين البشر، فلا شيء يستحق أن نكون أعداء بسببه، ولا أحد منا يمتلك «قداسة الصواب»، وأن ما يقوله أو يكتبه لا يقبل الرد، أنا أو أنت، ومثلما لي رأي أعتز به، من المفترض ألا أحجر عليك، وألا يدفعني اختلافي معك للتطاول عليك. القضية في مجملها ليست قضية زاوية أو طرحاً، مني أو من غيري، لكنها دعوة للاعتزاز بالحرية، التي هي تاجك وتاجي، وأول الطريق للاعتزاز بها واحترامها، ألا أفرض عليك منطقي، فجميعنا بشر، وتنوعنا سر ثرائنا، وسر جماعتنا وسر «سوالفنا»، فكيف كانت ستصبح الدنيا لو قلنا جملة واحدة.. عندها ما كان ليتكلم سوى واحد منا، بينما الجميع مستمعون. كلمة أخيرة اختلافك معي إثراء لأفكارنا .. يمنح كلاً منا جديداً. mohamed.albade@admedia.ae