لمصلحة مَن هذا التشاحن والتنابز بين الشعوب العربية؟ ولم في هذا التوقيت بالذات؟ هل من يقوده هي الدول والحكومات، أم أحزاب سياسية في أول سنوات السلطة والتسلط؟ أم هم أفراد يريدون أن يفرضوا المصالح الشخصية على اعتبارات الدول.
قراءة بسيطة في المشهد السياسي العربي بعد ما عرف بثورات وتغييرات الربيع العربي، نجد أنفسنا نحن العرب نعود للمربع الأول، ونتصنع المشكلات، ونغذي الضغائن، وننفخ في أزمات صغيرة لتكبر، وتغدو صعبة الحل، المربع المغاربي بين شد وجذب، بين إغلاق الحدود، وتصاريح وتلويحات حتى بإشعال فتيل الحرب لأجل مشكلات مزمنة، لا نبحث عن حلها وإيجاد سبل دفنها، إنما نسير باتجاه إشعالها لأتفه الأسباب.
تونس غدت موحشة، وفي سبيلها للتوحش بعد ما ضربت المؤسسات الوطنية والأحزاب السياسية، والنضال الطويل من أجل إقامة بلد القانون المدني، وعاد الجميع مطالباً بالتغرب وهجرة الوطن، وتركه يتصارع أو يتصالح مع الحكم الديني الجديد، ليبيا تخوض حرباً جديدة مع السلاح الجديد والأطماع السلطوية السياسية، والمزايا المالية للأفراد والقبائل والأقاليم والأحزاب الثيوقراطية في ظل غياب تأسيس الوطن الحر الجديد، وإعادة النظام وتأسيس دولة القانون بعيداً عن الفردية والديكتاتورية.
مصر غارقة في إنشاء دولة الخلافة، والنموذج الإيراني للثورة وتصديرها، وأسلمة مرافق الدولة وأجهزتها، في ظل غياب تام عن أحاديث مبشرة لسبل النهضة التنموية والاقتصاد الحر، والدولة المدنية العصرية، اليمن تزداد جهلاً وفقراً، وربما حرباً أهلية قادمة، وتقسيم وانشطار الوحدة الوطنية المتهالكة، ولا تفكير في بناء وتنمية مستدامة، بقدر التفكير في مساعدات آنية وعاجلة لحل مشكلات مزمنة تنخر قاع المجتمع اليمني.
دول مجلس التعاون الخليجي تريد إعادة التوازن لخضة الربيع العربي، وتداعياته عليها سلباً وإيجاباً، ساعية لأن تحافظ على خطواتها التنموية، وخططها الاقتصادية، ومحاولة ركوب قاطرة التحضر بعيداً عن أوجاع السياسة وصراعاتها، وما يمكن أن يدخلها في المربع العربي من فوضى غير خلاّقة، وتغيير في بُنى السلطة وتراتيبيتها المستمدة من حكم القبيلة والعرف والتقاليد الاجتماعية السائدة، وتجنيب منابع النفط واحتياطاته العالمية أي صراع وصدام يؤدي لحرب لها بداية، ولا تعرف لها نهاية. السودان ما زال في وحل الخطابات السياسية الرنانة، وتحركات الدبابات وتنقلاتها، وفقر اجتماعي، واقتصاد في القاع، وتقسيم جيو - سياسي، الصومال لا قائمة له، فهو يخرج من حرب، ليدخل أخرى، سوريا وجحيم التغيير بثمن باهظ، لبنان سيفجر نفسه بنفسه، فلسطين أفراح ناقصة ومنقوصة، ولا شيء يتم على مستوى الخريطة الجغرافية.
في ظل ذلك المشهد السياسي العربي السوداوي، تفتح أبواق الشر والنار من قبل أطراف دون ملامح، فيظهر التنابز، والتشاحن، ودَرْسّ البغضاء، ودق عطر منشم بين العرب، بغية إغراق الوطن العربي في العدم!



amood8@yahoo.com