قررت أن أرسم فجأة وأدخل عالم الفن التشكيلي من أوسع أبوابه، وبما أنني لا أجيد نقش الكلمات بالشكل المطلوب وخطي بالكاد مقروء قررت أن أستعين بمن يساعدني، لم تثنني قلة خبرتي عن عزمي بالإمساك بالفرشاة ونثر الألوان من حولي، وإن لم يكن لي حول ولا قوة في هذا العالم المبهر، لكن العيون التي تهوى خطوط الألوان وتحاورها، جعلتني أتجرأ على نفسي. وكأن القدر يدعوني إلى الدخول في هذا الباب ليضع أمامي إعلان لرسم "الأبرو"، اتصلت وحجزت وأخذت المعلومات واستوفيت الشروط التسجيلية اللازمة، وانطلقت إلى عالم لا أعرف فيه سوى أنني سأحتاج إلى فرشاة وألوان ولوحة أسكب فوقها كل ما أشعر، وأحدد معالم رسمت في خيالي أو على الهواء، أخذني الحماس في اليوم الأول وجئت قبل موعد الانطلاق، دخلت المرسم الحر في المسرح الوطني، فإذ بي أرى سيدة أمامها سطل صغير و"صينية فرن". بدأ الحضور يتوافدون على هذه الحصة اقتربت من الأستاذة التركية والتي تتحدث العربية بطلاقة، جلست الأستاذة بديعة أمام "صينية الفرن" المليئة بالماء، تضرب بفرشاتها بكل خفة لتتشكل بقعة من الألوان على سطح الماء ثم أخذت لوحة وأنزلتها على سطح الماء بطريقة رشيقة جعلتها تطفو قبل أن تسحبها إليها لنجد أن هذه اللوحة احتفظت وخزنت كل الأشكال بكل درجات الألوان من سطح الماء، نظرت إلينا بديعة قائلة باختصار "هذا هو (الأبرو)". لم أكن أعلم أنني سأقف أمام فن ينطلق من الهواء إلى الماء لينتهي على الورق، فن يحمل الكثير في طياته، فن من الطبيعة هكذا شرحت لنا بديعة وهي ممسكة بفرشاتها المصنوعة من عود وردة الجوري ورأسها الذي يحمل شعراً من ذيل الحصان "الحياة والبيئة تنطق والبساطة والأصالة تنبع من هذا الفن الذي يشعرك أنك خارج هذا الزمن فأنت تحتاج إلى الطبيعة بكل تفاصيلها. الأبرو يحتاج إلى الماء المفلتر الذي تضاف إليه مادة "كيترة" التي تستخرج من نبتة لتنقع في الماء لمدة طويلة". ومن ثم عرفتنا إلى أهمية "مرارة" العجول "للأبرو"، ماء وهواء وورق وأرض، فن ينطق بالطبيعة فهو حتى بألوانه يرفض أي تدخل كيميائي. دائما ما نرمي الحجارة على الماء حتى نرى الدوائر تتشكل لكنها تختفي بعد فترة، كيف تحتفظ بلوحة على سطح الماء، هذا ما استوقفني، حتى الخطأ في الرسم على الماء كان جميلاً كل شيء تقليدي في هذا الفن لكنه حقيقي يشعرك بأنك جزء من كل شيء.. النباتات الحيوانات الماء الأرض كل شيء بين يديك، كما أنه ليس عليك بعد الآن أن تخشى على الورق من الماء، لأن الماء يرسم على الورق كما ترسم أنت في الهواء. ameena.awadh@admedia.ae