منذ زمن ومفهوم الثقافة أخذ أشكالاً متعددة، وفي يومنا هذا لا يمكن فصل أي فعل إنساني متراكم ومؤسس لسلوك عن مقولة ثقافة، أي أصبغت الثقافة على العمل وعلى المهنة، كأن نقول ثقافة الطبيب، الصحفي، السوق، سائقي التاكسي، المزارع، البحار، وهكذا تشعب مفهوم الثقافة كثيراً، وما عاد يطلق فقط على كل ما يرتبط بالعلم والدراسة والفن، ولم تعد كلمة مثقف خاصة فقط بالمتعلمين والمبدعين، وخرجت لتكون لكل عمل أو مهنة ثقافتها، أي أن أصبحت كلمة ثقافة كرداء كبير يغطي كل شيء على الكرة الأرضية. وجاء مشروع العولمة ليزيد من مقولات مثل “الخوف على ثقافتنا “، علينا الحفاظ على ثقافتنا من شر العولمة”، ومن هنا بدأ العالم نوعاً ما يعمل من أجل الحفاظ على موروثه الشعبي من فنون وأزياء، وغيرها، (وهذا على اعتبار أنها هي ثقافة هذا الشعب أو ذاك) لكنْ هل فعلاً هذه الثقافة التي يجب الحفاظ عليها؟ من الطبيعي أن تصر الشعوب على الحفاظ على موروثها الشعبي من فنون وعادات وتقاليد، من المهم أن تكرس وتخصص الأموال والجهد من أجل هذا الموروث كي يبقى في ذاكرة الأجيال. (وهنا يجب أن ندرك بأن هذا الموروث الذي نريده أن يبقى في ذاكرة الأجيال هو فقط للذاكرة وليس ليكون سلوكاً مفروضاً يتحول إلى جزء من ثقافة الحاضر). وهل هذا المورث يمكن أن نطلق عليه ثقافة؟ أعتقد لا، كون الكلمة (ثقافة) تعني تثقيف، من ثقف، أي حذق وتعلم، والتعلم يعني استقاء الجديد وليس إقحام القديم كي يشكل مستقبلاً، وهو في الأساس ثقافة تم استهلاكها في زمن بعيد، زمن غابر، ومن هذا لا يصح أن يكون الموروث هو بمثابة الثقافة الجديدة لأي مجتمع كان، وكما هو معروف كل جماعة تعيش في زمن محدد وبكثافة محددة، إنها تشكل ثقافة خاصة، أي ثقافة متجاوزة في أغلب الأحيان لما سبقها، وبذلك تشكل موروثاً آخر لمستقبل قادم. ??? ذلك هو بعض المتشعب والمطلق من الثقافة، وهنا نريد أن نحدد ونلم بعض هذا المطلق والمتشعب، ونركز الثقافة على الجانب الإبداعي الإنساني العظيم، والمتمثل في الفن بكل أشكاله (شعر، رواية، قصة، موسيقى، تشكيل، سينما، مسرح، ورقص ... الخ)، ونركز كلمة (مثقف) في المُنتِج والمتلقي لهذه الثقافة (المبدع الجمهور). من هنا يأتي العمل الوطني للنهوض بالثقافة عملاً حقيقياً صادقاً نابعاً من الوجدان والحب لهذا الوطن الذي نقول إننا نريد أن نحمي ثقافته ومنتجيها ومتلقيها من تكريس السطحي والاشتغال في العادي وتكرار المنتج بصورة جاهلة (أكثر منها مقصودة). عمل حقيقي غير استعراضي على ورق الصحف والمجلات والتلفاز، بهدف أن نقول إننا نهتم بالثقافة إمام العالم والزوار. نحن بحاجة إلى توسيع شريحة المتلقي والمتذوق للفن، وفي الآن نفسه السمو بمنتجي الفن، من خلال العمل الفردي أولاً، وهذا على عاتق المبدع نفسه، وذلك بالعمل على التطور، وكذلك على عاتق المتلقي، بإصراره على الخروج من المكرس. واختيار قيادات ثقافية ملأى بالشغف الثقافي وليس بالدعاية والإعلان، قيادات تؤمن بأهمية الكتاب والقراءة في تشكيل مشهد ثقافي مميز، وتعمل بصدق ووعي كبيرين من أجل خلق أجيال قادمة، لديها القدرة على تذوق الجمال والتواصل معه أينما كان. أجيال قلوبها مفتوحة لكل الاحتمالات الرائعة، وروحها مزدانة بالبهجة، وعقلها متسع للكون كله، أجيال حرة مؤسسة على الوعي والإدراك، وليس على التبعية والتقليد الأعمى. saad.alhabshi@admedia.ae