أثارت وفاة الطفلة الرضيعة ملاك التي لم تتجاوز الأشهر الأربعة، إثر اعتداء بشع من قبل خادمة في المنزل، استياء واسعاً لدى مختلف شرائح المجتمع التي استيقظت على جريمة جديدة من جرائم «خدم المنازل»، جريمة بشعة هزّت وجدان الجميع لفظاعة الفعل وأسلوب تنفيذ الجريمة، واستهداف رضيعة في الشهر الرابع من عمرها.
فقد دفع الحقد بمنفذة الجريمة لأن تضرب رأس الضحية بجسم راضّ على خلفية منافستها مربية الطفلة، بحسب ما جاء في بيان النيابة العامة بأبوظبي عن الواقعة التي أعلنت معه تشكيل لجنة ثلاثية من إدارة الطب الشرعي بدائرة قضاء أبوظبي، لتوقيع الكشف الطبي الظاهري على الضحية، وتحديد سبب الوفاة المباشر.
وتضمن البيان مناشدة، غالباً ما تتكرر في أعقاب مثل هذه الحادثة البشعة التي لن تكون الأخيرة، طالما وجدت واستمرت الحاجة للاستعانة بالخدم في المنازل.
فقد دعا بيان النيابة العامة “جميع الجهات المعنية للتعاون لإيجاد صيغة مجتمعية واقعية لحل مشكلة الأمهات العاملات اللاتي يدفعهن الخروج إلى العمل إلى ترك أطفالهن مع الخدم تحت رحمة احتمالات عديدة”.
وهذه المناشدة، وبعد أن تنتهي ردّة الفعل على رحيل الطفلة ملاك، ستختفي كما اختفت غيرها من المناشدات والدعوات التي نستيقظ عليها في أعقاب حادثة مؤلمة ومفجعة بحجم هذه الجريمة التي هزّت مجتمع الإمارات بقوة.
الواقع يدعو وزارة الشؤون الاجتماعية، إلى التحرك في اتجاهات عدة لوضع بدائل معقولة وعملية لمعالجة اضطرار الكثير من الأمهات للخروج للعمل الذي أصبح في مجتمع اليوم ضرورة، بعد أن نالت المرأة فرصاً تعليمية متعددة، والانضمام إلى قوة العمل في المجتمع، وأتيحت لها فرص واسعة للمشاركة في بناء مجتمعها.
الوزارة التي كان لها قصب السبق في الاهتمام بالطفولة ورعاية المرأة وتشجيع انتشار الحضانات في العديد من الوزارات والدوائر الحكومية، مدعوة كذلك إلى متابعة الجهات التي لا تتوافر فيها مثل تلك الحضانات لإنشاء الجديد منها، حتى تتمكن المرأة العاملة من الإشراف المباشر على صغارها أثناء وجودها في الدوام، وقد أثبتت التجارب عدم إعاقة وجود هذه الحضانات لسير العمل في المرافق التي تبنت المبادرة، إلى جانب زيادة مدة الإجازات المخصصة للأمومة والطفولة.
كما أن دوائر ومؤسسات العمل مدعوة للتوسع في مبادرات العمل من المنزل التي تتبعها العديد من الجهات في المجتمعات الغربية على سبيل المثال، وتتيح للمرأة الأم الموظفة إنجاز المهام المطلوبة منها من داخل المنزل بكل كفاءة وسرعة ومرونة، من دون أن تبتعد عن صغارها، وقد أكدت التجارب والدراسات فعالية مثل هذه المبادرات في العديد من المجتمعات التي تبنتها، ونحن في مجتمعنا في أمسّ الحاجة إلى مثل هذه المبادرات النوعية للحد من الاستعانة بهذه الفئات من العمالة المنزلية التي تتحدر من مجتمعات يتفشى فيها الجهل وغياب الوعي بأبسط احتياجات رعاية الأطفال، وحتى شؤون المتابعة المنزلية التي تستقدم حالياً لأجلها.
لقد هزّ رحيل الطفلة ملاك وجدان كل من تابع تفاصيل هذه الجريمة التي نتمنى أن تدفعنا جميعاً لبحث كل ما يسهم في حماية صغارنا، وهم داخل المنزل. رحم الله ملاك، وكان الله في عون والديها وذويها، ونحن جميعاً.


ali.alamodi@admedia.ae