لا أحب اليوم الأخير عادة في معظم مسائل الحياة، أشعر بغصة الفراق، وتوديع الأشياء، معرض أبوظبي للكتاب واحد من تلك الأمور التي تجبرني على وداعها مكرهاً بعدما أضاءت دواخلي بأيامها القليلة، إن منظر القشع، ولملمة الكتب اليتيمة، وتكديسها في صناديق بطريقة عجلى، وحزم الأغراض، و”تقفيط الكشار” دائماً ما يوحي لي بوداع طفولي محزن لأهل الساحل حينما يظعنون باتجاه مدنهم بعدما قضوا أيام الصيف في العين.
• هذه بعض الانطباعات عن المعرض بغية أن يبقى الأجمل، ويصير للأحسن من عام لعام:
• ثمة حضور نسائي طاغٍ في المعرض، وهذا ما يبشر بالخير الكثير؛ لأن الأسرة في يد أمينة ومسؤولة، فوحدها المرأة الصالحة قادرة على أن تخلق الفرق، وتصنع وعد المستقبل.
• الجميلة أحلام مستغانمي، وحدها من بين الكتّاب والروائيين من حظيت بيومين لتوقيع كتابها، ومع ذلك كانت زاوية التواقيع مكتظة بالحشود من محبين، والنساء بالطبع أكثر، فطوال الساعتين وأزيد في اليومين، كانت أحلام مستغانمي تقف، لترضي وتمازح الجميع، ولا تبخل على معجبيها بقبلها المطبوعة على صفحة الكتاب، وتوقيعها الأنثوي بالمحبة.
• كثير من الضيوف شكوا وفقدوا تلك الحميمية في اللقاءات، والخروج بهم نحو فضاءات المدينة، وكأن الأمور تغيرت، وما عاد أحد يحفل بهم كضيوف اعتادوا دلال أبوظبي، ودفء مواطنيها وساكنيها، سألوا عن مديري محطات التلفزيونات والإذاعات والصحف والجامعات، كان الضيوف فقط يريدون أن يروا أبوظبي وهي تتهادى تحت نفاف المطر، كانوا يريدون أن يروها بعيون أخرى تدلهم على فرحها المختبئ.
• سأظل أتساءل أين تلفزيوناتنا وإذاعاتنا المحلية من حدث مهم كمعرض الكتاب، وفيه هذا الزخم من المبدعين كتّاباً وفنانين وناشرين من مختلف أنحاء العالم، لم لا نوثق حضورهم، وندون مشاعرهم، ونتعرف بالصوت والصورة إلى آرائهم ورؤاهم عنا وعن بلدنا وعن خطواتنا نحو المستقبل؟ هل يعقل أن تظفر محطات تلفزيونية أخرى بهذا الصيد الثمين، ونحن نكتفي بتغطية حفل الافتتاح، ونريح كاميراتنا وميكرفوناتنا بعده؟ هل يعقل أن تغيب البرامج الثقافية والفنية من وسائل إعلامنا، في حين نعد أبوظبي لمرحلة ثقافية وفنية عالمية التوجه؟
• النشاط الثقافي المصاحب لفعاليات المعرض والمتميز في الصالونات الأدبية، مثل “بحر الثقافة” برعاية الشيخة روضة بنت محمد بن خالد، و”الملتقى” بإشراف أسماء صديق، وزاوية د. ريم المتولي الخيرية، جديرة بالدعم والتشجيع، وتكون من أولويات المعرض القادمة؛ لأنها حركت المعرض، وقدمت المتميز!
• رغم أن الطبخ والمطبخ من الأمور الثقافية والمهمة للشعوب، ويعتبر ركناً يشهد إقبالاً، لكن أتمنى أن لا يكون هذا المطبخ داخل المعرض، فلا يعقل أن يتحدث نقاد وروائيون من العالم في “الخيمة” وروائح الطبخ تهلّ عليهم، “ياليت يسون المطبخ مثل ما يسوي المواطنون في فيللهم، يخلونه خاري”!


amood8@yahoo.com