نعم.. وحده الفرح يمكن أن يكون له طعم في الفم، ولون في أفق العين لا يبرحه، هذا ما أهداه المنتخب الأولمبي للإمارات التي راهنت عليه، فأسعدها بالأمس وقبله، حيث لم يكن بالأمس الفرح أبيض، كان مزهواً بلون علم الإمارات، كان نشيداً جميلاً بمثابة فرح عارم للجميع، أبرّد القلوب، وأسعد النفوس، وجعل الدموع تترقرق في المآقي والعيون، جاء فرح الأمس تتويجاً لانتصارات سابقة، وأعمال زاهرة متواصلة، كان فرح الأمس شأن النجاحات الأخرى التي يفرحنا ظهورها وتألقها في سماء بلادي، واضعة تلك الابتسامة التي تستحقها الإمارات دوماً وأبداً.
بالأمس كان للجميع حق الفرح، هذا الفرح الذي يمكن أن يصنعه فرد، أو يمنحه فريق أو تحظى بشرفه مدينة، هو فرح من تلك الأفراح الجماعية التي قلما تسمح الأيام بها، وإن سمحت.. لا تعطينا طعمها سكراً في الفم، غير أن فرح الأمس كان بطعم قهوتنا المعمولة للتو، بطعم هيلها وزعفرانها، بطعم حديث مَنْ زلتها وصبّتها، وانتظرت رجّة فنجانها، هو فرح من هذه الأفراح التي تشبه الغيمة المظللة، المحملة، الشرود بأغانينا وآمالنا وأحلامنا المؤجلة.? هو فرح يشبه رائحة أول تباشير النخل في مساء ممطر، معطّر برائحة ثرى الأرض الطيبة، يشبه ضحكة القلب التي تأتي هكذا عفوية وبسيطة على وجه رجل نحبه، ونعضّده، وجهه وجه الخير، ومقدمه السماحة والبشارة، نتوج بفعله وأفعاله عمائم رؤوسنا، زايد من قبل، وخليفة من بعد، وعضداه محمد عن يمين، ومحمد عن شمال.
فرحنا بالأمس.. يشبه صهيل امرأة نعشقها حدّ الوله، تحتل القلب وتسكن الرأس، وحدها التي يمكن أن نناديها بــ الغالية أو ماء العين والنظر.? هذا الفرح الذي كان بالأمس يشبه لهفة العائدين المسافرين أشهراً في بحار من الزرقة والمسافات وعذابات الريح، والرزق الحلال.? يشبه تمتمة أول طفل جاء متأخراً، بدا بالعافية وبضحكة أسنان اللبن. ?يشبه أول كأس من بعد رحلة الظمأ، وحريق العطش.? يشبه نومة الظل في نهار القائلة، رائحة زهر الليمون والسفرجل في تلك البساتين القديمة المروية بمياه الأفلاج، وحسابات النجوم، وتعب الأولين.? كان فرح الأمس.. شيئاً من العطر.. شيئاً من المطر.. كان فرح الأمس.. غاية الرجال، وكان الرجال عزوة من نشدهم وناشدهم. ?كان فرح الأمس.. ملوّناً في عيون الجميع، وله طعم قهوة الدار، ومِسك أيادي الناس الطيبين، وزغرودة الزمن الجميل.. آه.. شكراً للفرح حينما يُطهر القلب، ويجعله يطير كعصفور أبيض، يزاغي الريح والغمام.

amood8@yahoo.com