يقال إن أصل المحاسن كلها الكرم وأصل الكرم نزاهة النفس وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام وجميع خصال الخير من فروعه. واقترنت الشجاعة بالكرم عند العرب، واشتهر كثيرون بالكرم وذاع صيتهم في الأمصار، وبلغوا درجات من الكرم الذي يكاد لا يصدق، وكان من أبرزهم وأشهرهم حاتم الطائي الذي كان مضرب المثل فيهم. ومن الأجواد المشاهير في الجاهلية أيضاً عبد الله بن جدعان وكانت له جفنة يأكل منها الراكب على بعيره ووقع فيها صغير فغرق. وذكر ابن قتيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد كنت أستظل بظل جفنة عبد الله بن جدعان صكة عمَىِّ» أي وقت الظهيرة وذكروا أنه كان يطعم التمر والسويق ويسقي اللبن حتى سمع قـول أمية بن أبي الصلت: ولقد رأيت الفاعلين وفعلهــم فرأيـــت أكرمهـــم بنـــي الديــان البر يلبـك بالشهـاد طعامهــم لا مـا يعللنـــــا بنـــو جدعــــــان فأرسل ابن جدعان إلى الشام ألفي بعير تحمل البر والشهد والسمن. كان العرب يتبارون في حلبات الكرم والجود والسخاء، وقد ورد أن ثلاثة نفر تماروا في الأجواد، فقال رجل: أسخى الناس في عصرنا هذا عبدالله بن جعفر، فقال الآخر: أسخى الناس قيس بن سعد بن عبادة، فقال الآخر: بل أسخى الناس اليوم عرابة الأوسي، فتنازعوا بفناء الكعبة، فقال لهم رجل: لقد أفرطتم في الكلام، فليمض كل واحد منكم إلى صاحبه يسأله حتى ننظر بما يعود فنحكم على العيان. فقام صاحب ابن جعفر فوافاه وقد وضع رجله في ركاب راحلته يريد ضيعة له، فقال الرجل: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن سبيل ومنقطع به، قال: فأخرج رجله وقال: ضع رجلك واستو على الناقة وخذ ما في الحقيبة، وكان فيها مطارف خز، وأربعة آلاف دينار. ومضى صاحب قيس فوجده نائماً فقالت له جارية لقيس: ما حاجتك؟ قال ابن سبيل ومنقطع به، فقالت له الجارية: حاجتك أهون من إيقاظه، هذا كيس فيه سبعمائة دينار، ما في دار قيس غيرها، وامض إلى معاطن الإبل- موضع تجمعها- فخذ راحلة من رواحله وما يصلحها وعبداً، وامض لشأنك، وبعد أن استيقظ قيس أخبرته الجارية بما صنعت فأعتقها سروراً بفعلها، فقد اقتبست هذا الخلق منه. وأمضى صاحب عرابة فوجده قد خرج من منزله يريد الصلاة، فقال: يا عرابة، ابن سبيل ومنقطع به، وكان معه عبدان، فصفق بيده اليمنى على اليسرى، وقال: أواه أواه والله ما أصبح ولا أمسى الليلة عند عرابة شيء ولا تركت له الحقوق مالاً، ولكن خذ هذين العبدين، فقال الرجل والله ما كنت بالذي يسلبك عبيدك. فقال: إن أخذتهما أو لا، فهما حرّان لوجه الله تعالى فإن شئت فأعتق، فأخذ الرجل العبدين ومضى، ثم اجتمعوا وذكروا قصة كل واحد، فحكموا لعرابة؛ لأنه أعطى على جهده، وأفضل الصدقة جهد المقل. ? ابن الرومي ليس الكريم الذي يعطــي عطيتَـهُ على الثنــاء وإن أغلـى بـه الثمنـــا بـل الكريـم الـذي يعطـي عطيتـه لغير شيء سوى استحسانه الحسنا لايسـتثيب ببذلِ العُـرْفِ محْمـدة ولايَمُــــنُّ إذا ماقَلَّــــد المِننــــــا حتـى لتحســـب أن اللــه أجبَــرَهُ على السـماحِ ولـم يَخْلُقْـهُ مُمْتَحَنـا Esmaiel.Hasan@admedia.ae