خذ الكتاب وارحل في نقاء حروفه كي تلمس النور. قل لعقلك إن الحياة بحرٌ فيه موجٌ وعصفٌ وبرقْ، ولا يُبحر في لجّته إلا من حمل الكتاب محتمياً بغلافيه من مطر الأفكار الجاهلة. كل ورقة خطّها الساهرون على كشف معاني الحياة، صارت قارب نجاة لغرقى الوهم، هؤلاء الذين مشوا عكس اتجاه الحروف فكان الضياع نصيبهم أينما حلوا، وما منقذ للجهلاء من الضياع إلا التشبّث بالمعاني الناصعة، والتمسّك بالكلمة أو حتى بحرف واحد ينجي من الهلاك العظيم. خذ الكتاب وافتح ذراعيه كي تعانق سيرة المجد التي سطّرتها أصابع الفاتحين في فجر الخليقة، الشعراء الأولون حين خلطوا الكلام بالرمز، ومن أحلامهم ولدت الأساطير. طائر الخوف يحلّق على المذعورين في سماء الحرب نافثا نار الكراهية كي يعمي عيون المحبّين، لكن آلهة الماء تخرجُ من الأنهار والبحر لتطفئ الفتن في منبتها قبل الهياج. وفي تلك الأساطير كان الأحمر رمزاً قانياً في معارك الدمّ، وكان الدم رمزاً للنصر والحرية، وعلامةً في البيارق والرايات. خذ الكتاب لتطعم به الأطفال القادمين من منابع الأمل الجديد. قل لهم قصصاً عن بطولات خاضها البشر يوم كان الوحشُ سيداً في الطبيعة والإنسانُ أمامه عبدٌاً ضعيفاً، ثم وُلدت الكلمة من القلب أولاً، ثم صارت صوتا في العقل، وحين نطق بها الرجلُ، صارت سلاحا ودرعا، بها شقّ الفاتحون دروباً في الظلام وعمروا من نورها الدنيا. ثم قالوا نخبئها مثل كنز عظيم، وعند ذلك فقط ولد الكتاب، كائناً حيّاً يحملُ بين جناحيه ما تعجز عن حمله الجبال. يسافر في السنين والأكوان محتفظاً بأسراره إلى أن تمتد له عيون السائلين عن الحقيقة، فيهبط وديعاً في أحضانهم، ويروي بلسان عذب عن كل ما فيه. خذ الكتاب مظلة واخرج تحت قصف المتناحرين في حرب الأفكار المريضة. قل لهم: اتبعوني نصير نهراً جماعياً، يتوحدُ مهما اشتد الخلاف بين ناس الضفتين. اليد الممدودة نحو الكتاب هي يدٌ تصافح الخير كله. والخطوة الذاهبة نحو المعرفة، هي خطوة نبيّ. هكذا نهزمُ الوهنَ الذي تسرّب للعزائمِ وشلّ عيوننا عن النظر إلى البعيد، أقوياء نقتحم السؤال ونُطيحُ بالشكّ من عرشه، غير مكترثين بما يعنيه الخصام والتبرّم لأنها صفات المتأخرين، أولئك الذين يخافون كلما غربت الشمس، غير مدركين أن الغد يحمل دائماً إشراقاً أحلى، وأن الشمس تغادرنا حباً كي نعيد شدّ أوتار حياتنا لنولد مع نورها في صباح يوم جديد. خذ الكتاب ثمرة حلال من شجرة الحكمة العالية، جذورها الحروف تمتد عميقاً في الأرض، وأوراقها تتفتّح وتصير أجنحة للواقفين تحت ظلالها. ومن يزرع هذه الثمرة الحلال في أرضه، فإنه يعمّر المستقبل جاعلاً من كلمة (الحب) حصناً، ومن كلمة (الآن) غداً، تورقُ على جدرانه الدوالي مزهرةً بكل معاني الفخر والعزّة. جاءت الريحُ لحناً من غبار لكني في الطريق نحوكِ، كنتُ أقرأ وكان رسمك منقوشاً على حائط البال تشرقين جيشاً من شموس صغيرة كلما تفتّح في الأرض كتاب. akhozam@yahoo.com