الدراسة التي كشفت عنها رابطة المحترفين، حول أسباب العزوف الجماهيري عن المباريات، والتي أعدتها في الفترة الماضية، تمثل من وجهة نظري، أول الطريق إلى أي عمل ننشد له النجاح، فليس بالإمكان العمل في الظلام، وليس مستطاعاً أن نعمل من دون أن نعرف في أي طريق نسير، ومثل هذه الدراسات المسحية، تمثل استكشافاً للواقع الذي نعيشه، والذي لا يفترض بنا مجرد الجدل حوله من دون أن نتجه إلى قلب الظاهرة لنعلم أسبابها وجذورها، لأن معرفة العلة هي أول طريق الشفاء. والدراسة التي تمت على ألف شخص، من مواطنين وجاليات عربية وأوروبية، حفلت بالعديد من المفارقات، لكن أبرز ملامحها، أن أحداً ممن شملتهم لم يقل إنه لا يحب الكرة، ولكن المشكلة كانت في وسيلة التوجه إلى هؤلاء، وعلى سبيل المثال، لا يمكن أن نغفل ما قاله الإخوة من الجاليات العربية، من أن أحداً لا يستهدفهم في حملة الجذب للمدرجات، فيما فجر الأوروبيون مفاجأة بظنهم أن مباريات دورينا للمواطنين فقط، وأنه ليس مسموحاً لهم كأجانب حضورها، ولست أدري لماذا استوقفتني هذه النقطة بالذات، فالأجانب معظمهم مثقفون وفاهمون، ودورينا يحظى أيضاً بتغطية من إصدارات بالإنجليزية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعمم هذه النظرة على الأوروبيين، الذين يسألون ويستوثقون من الأشياء، ولا يمكن أن تترسخ لديهم انطباعات بهذا الشكل، أما مسألة عدم نقل المباريات بالإنجليزية، فهي أيضاً عذر غريب، إذ تبقى الكرة في حد ذاتها لغة عالمية، كما أننا نريدهم في الملعب وليس أمام الشاشات، وهذه النقطة الأخيرة بالذات، أراها مأخذاً على الشركة المتخصصة التي أعدت الدراسة، فتعميم هذه الأحكام لتكون على الأوروبيين لا يمكن أن تكون تعبيراً عن احتياجات فعلية أو قناعات متأصلة، إضافة إلى أن عينة «الألف شخص» ومن بينهم إعلاميون ومتخصصون، أراها غير كافية، لا سيما إذا كانت تلك العينات عشوائية، وهو ما تتجه إليه مثل هذه الدراسات والمسوحات، مثلما تعلمنا في دراساتنا الأكاديمية. أيضاً، أرى أن الأسباب التي ساقتها الدراسة للعزوف الجماهيري، سواء «زحمة المرور» وارتفاع الضوضاء المصاحبة للمباريات، والزحام المتوقع للدخول والخروج من الملاعب، وتوقع وقوع حالات عنف جماهيري، لا يمكن أن تكون منطقية على الإطلاق، فمهما بلغت الأمور لدينا لن تكون مثلما يحدث في أوروبا، ومن يريد الذهاب إلى الملعب لن يعبأ بالانتظار نصف ساعة أو أكثر، أما الحديث عن الضوضاء في الملعب، فهو من أغرب ما سمعت، فمن يذهب يعلم أنه ذاهب إلى مغامرة وكرنفال، وليس إلى «جلسة روحانية»، ويبقى الحديث عن العنف المتوقع، كلاماً لا يمكن أن يسوقه واحد عاش بيننا ويعلم حقيقة ما ننعم به من انضباط ورقي وتنظيم يضاهي ويفوق ما يحدث في العالم أجمع. هذه الدراسة ما زلت أصفها بأنها أول الطريق، لكنها للآن، ووفق ما قرأت، ليست منتهاه ولا المنتصف، وفيها بعض الملامح الإيجابية، كضرورة استثمار النجوم مثل مارادونا والدعاية للدوري باللغات الأخرى غير العربية، للترويج للدوري، وشكوى البعض من عدم وفرة وسائل الترفيه بالأندية مثلما هو حادث في الدوريات الأوروبية، وهو ما سبق أن أكدت عليه من قبل، حين ناديت بضرورة أن تعمل الأندية على أن يكون يوم المباراة لكل الأسرة. كلمة أخيرة الدراسة أول الطريق ومؤشر إلى أننا اليوم نحتاج إلى «دراسة بجد» mohamed.albade@admedia.ae