كنخلة في أحشاء الأرض، كسنبلة تنزع للولوج في ثنايا الكون، كوتد يرتب أشجان الأنوثة، كحلم يلج وحشة الليل، كنصل يدغدغ رمش الطفولة، كفصل من فصول الانعتاق من وهدة التنهد، كبدر يغسل أطراف النجوم، كغيمة عاشقة ترتل آيات الوجد، وتخضب كف الهوى، كجملة فعلية آخر السطر في رواية ملحمية كطائر نسى الجناحين على غصن شجرة، كورقة تسربت بين الأعطاف فاختطفها الذبول كليل تهرب من ملاءة الظلام، كنهار غشته غاشية الانتحار، كقلب تخلى عن نبضه فانحط في السكون.
أنت هكذا، في الوحدة، في الخسارة الكبرى، في الانتحار المريع، شُقَّ قميصك من، قُبُل، ومن دُبُر، قلت هيتَ وما هيأت الذاكرة، قلت أنا ابن جلا وما تذكرت النصل، ذهبت في العويل الطويل، بلا دليل، وبلا حفنة من أمل، جاشت بك المقلتان، وتعقد الجبين، والناي حزين، وطائر النورس، يبحث عن ظل في العرين، لا شيء يأخذك للفرح، لا شيء يخلي سبيل الطائر الطريد، والبحر، كأنه المحترس، من موجة هائجة، يخفض جناح الذل، ويمسد كاحل الشطآن، وكأنه في ذروة الهذيان، كأنه في غياهب النسيان، كأنه كائن غاب عن الوعي، ساعة الدهشة، فانكفأ يفتش عن بوصلة ابن ماجد، وقصيدة ابن ظاهر.. تاهت في حومة السفر الطويل، يوم طوت الصحراء سجل الأيام، وغفت تحت ظل ظليل، نامت ردحاً من زمن، فجأة استيقظت من غيبوبة الليل.. أنت هكذا، حالم في الحبيبة، ترفع النشيد جنائزياً، تفنى في العزلة، ولا صدى غير بوحك المتهدج يشرخ الجدران ولا يسري في الآذان.
هكذا أنت مثل قشة رماها البحر فاختصرت حماقة الموج، دارت واستدارت وداخت، وعند مكان من الضباب بدت القشة أشبه بالخيال في رأس غرير.
هكذا أنت، أحلامك لا تسرد إلا تفاصيل لكابوس ليلي مفزع تجزع أنت، تنزع الروح، تعود ثانية وكأنك تتهجى حروف العلة، كأنك تتسرب في الفراغ، تسأل عن ضياعك والتياعك ومتاعك، ولا ضير غير أنك تجهل المعنى في الجملة، تتجاهل وصفة القلب المعلق بين الوريد والتشريد.
هكذا أنت، موصوم، بالأسئلة الغامضة، موشوم، بقراءة فصول المهزلة، موسوم، بالوقوف آخر عربات المرحلة، وعندما تصحو تنتابك الزلزلة ثم الغربلة ثم الذروة القصوى للبلبلة.
هكذا أنت ككائن بترت ذراعاه وقدماه فاستحال نتفة من جذر وطال حنينك ولم تزل، تبحث عنك، في الكسور والقشور والبحر المسجور والوقت المغدور.


Uae88999@gmail.com