في أحد الأفلام الكوميدية عن عصر الديناصورات، تم تهيئة المجتمع المفترض وكأن الديناصورات قطط وكلاب وخرفان، أي وجود مستأنس، إلا بعضها الذي يشبه قطط الشوارع وكلابها، لكن القصد هنا التعايش الذي يفترضه تخيل ذلك الزمن على شاكلة تبعث على الفرح الناقد للحظتنا الوقتية الحالية. والملهاة في الموضوع؛ ترجمة كل أدوات العصر الحديث الفائقة الجودة تكنولوجياً إلى أوضاعٍ ذات حضورٍ بدائي، فمثلاً السيارة هِيَّ هِيَّ، بتصميمها الحالي نفسه، ما عدا أن أقدام راكبيها هي عجلاتها، وكرة البولينج صخرة قد يكون في داخلها أحفورة لسمكة، قد تقلب المعادلة أثناء اللعب لمجرد تقلبها أثناء النوم، وإذا التقى حبيبان؛ فحفر قلب على شجرة يكون باحتضانها، وإضافة السهم المشهور المختَرِق للقلب قد يكون قرار افتعال مشكلة حتى تتمنطق فكرة العذاب، ثم يعودان فرحين بإنجاز رمزية الحب عشقاً من وارء الجميع. هكذا بالإمكان ترك أنفسنا للمساهمة مع صانعي الفيلم بابتكار جزء من حياتنا الراهنة ضمن افتراض ماذا لو كان هذا الشيء أو هاته الفكرة بنت عصر الديناصورات؟. أعتقد أنها لعبة تسليتها تشبه الماء أثناء السباحة أو الاستحمام، ومنوط بها أن تكون تأملية مُريحة خاملة خمول حيوية البكتريا التي نحتاج إلى ميكروسكوبات مُعَظَّمة للتمتع بمراقبة عوالمها. أعتقد أنها لعبة تسليتها تدفع التخيل إلى دغدغة الجسم من أجل علاج مآزقه الفلسفية، لأجل تهيئة أجنحته، بغرض وضع فهمنا لوجودنا في المجال الأصفى الأرحم، بدلاً من الإكباب على تحويل كل نأمةِ حركةٍ إلى وظيفة، بما في ذلك إهداء ورقة شجر مُتعرِّقة بأنسجةٍ ربيعها الطري أو خريفها الرومانسي؛ إلى حبيب. كانت هناك جرائد في ذاك الدهر، في الفيلم، قد تكون على تصور خاضع لقدرة القارئ على إلغاء زمن الخبر الذي لا يعجبه، حيث لا يصبح خبراً حقيقياً، فهو واقعة حدثت لكنها لن تعني مَن لا تعنيه، وستؤثر فيمَن تهمه إحداثياتها، فضلاً عن إمكانية قراء الأخبار بواعزٍ من قواميسنا الخاصة التي تحدد بصمة شخصيتنا المستقلة فردياً عن التورط في مَجموع، وما ينفك خبر أن يبلغنا عن ازدياد معدلات الوفيات المرورية بسبب تهورات عقليات أنانية، حتى يكون مقروءاً مثلاً هكذا: اصطدمت سيارة بأحد المشاة وأدى ذلك إلى وفاة السيارة، وعلى الفور تملكت السائق نوبة بكاء عاتية لرؤيته المصدوم سليماً ومُكْمِلاً طريقه إلى ما كان متوجهاً إليه قبل دهسه. ما الغرض من كل هذه الترهات التخيلية؟، لماذا يجنح بعضنا إلى الرغبة في ترميم المشروخ؟، كيف يمكن لمتسبب في مشكلة أن يكررها بكل دِعة وصفاء؟، لما يحتسب بعضنا أخطاءهم قياماً لحضارة عظيمة، وصحة تصرفات الآخرين تنطعاً وتهوراً؟، بطبيعة الحال تتسبب المرجعيات التربوية والاعتقادات التي تُنْشِأ كل شخصية على حِدَة خَلَلَ ظرفها المعيشي والمعرفي؛ سور حماية للدفاع الغريزي، الأعمى من التفكير. من هنا دائماً يتأتى الكلام عن أهمية الحوار الداخلي مع الذات، والخارجي مع الآخر بشروط أقل تسلطاً، حتى يكون في المستطاع التقليل من خطورة أفلام “الأكشن” العنيفة، والمرح في غياهب الكوميديا، لكن على أرضية واقع الآن. eachpattern@hotmail.com