تابعت موضوعاً نشرته أمس الأول صحيفتنا الشقيقة التي تصدر باللغة الإنجليزية “ذا ناشونال”، عن الغربة أو حالة “التيه” التي تعانيها مواد اللغة العربية والدراسات الإسلامية في مناهج فروع المعاهد والجامعات الأجنبية بالدولة.
واستوقفني وصف الحالة من قبل الدكتورة يوجين سماير أستاذة الإدارة والقيادة في الجامعة البريطانية بدبي والمحاضرة بجامعتي برمنجهام و”أكسفورد بروكس”، عندما قالت إن الوضع أشبه بالهيمنة الثقافية، واستخدمت تعبير Intellectual Imperialism أو”الإمبريالية الثقافية”، وهو مصطلح استخدمه وتعرض له الكثير من الباحثين والمختصين بقضايا حوار الحضارات وتلاقح الثقافات، ومنهم البروفيسور الراحل إداورد سعيد، وذلك عن حديثها عن وضع المناهج في الفروع المحلية لتلك الجامعات الغربية العالمية، وقد تساءلت عن كيفية إعداد جيل من القيادات فقط بتدريسه القيم والمعارف الغربية التي لا تساعده على التواصل مع متطلبات مجتمعه القائمة على القيم العربية والإسلامية المتوارثة.
وقالت ضمن محاور الموضوع “إن مواد التدريس تقدم من دون تغيير، كما ترد في المناهج الأميركية والبريطانية والآسيوية”، مضيفة أنه “كيف يمكن أن ندرس علوم الإدارة لطلابنا - على سبيل المثال - من دون إلمامهم بجوانب الشريعة؟”. وهذا مجرد محور من محاور عدة تتعلق بما يدرس للطلاب في هذه المؤسسات من مواد منفصلة تماماً عن واقع مجتمعهم الإماراتي. وأبرز التحقيق، تساؤلاً أثارته الدكتورة آمنة لوتاه أستاذة العلوم السياسية بجامعة الإمارات حول شخصية صانع القرار المستقل التي يتوقع أن يكون عليها طالب لم يدرس سوى المناهج والقيم الغربية، وهو التساؤل الذي حمله بحثها حول التعليم في الإمارات، الذي نشر في عام 2011.
والحقيقة أن هذه الإشكالية واجهت ولا تزال تواجه العديد من المجتمعات، وهي في طور النشوء والتحولات، وقد حسمتها بقرارات لصالح تعزيز الهوية الوطنية واحتياجات المجتمع. ولعل من أبرز الأمثلة هنا نموذج ماليزيا، حيث كانت دراسات جامعة ماليزيا الوطنية وبحوث الدكتور سيد حسين العطاس من معهد الملايو وحضارات العالم التابع للجامعة ذاتها، وتركز على التأثيرات السلبية لتراجع المناهج ذات الصلة بالثقافة والمعتقدات المحلية في مناهج التدريس بالجامعات لصالح المناهج الأجنبية التي قال إنها تؤدي إلى صرف الأنظار عن احتياجات وقضايا المجتمع المحلي.
وقد انتقل هذا الواقع أو “تيه” المناهج العربية والإسلامية من فروع الجامعات الغربية إلى مؤسسات التعليم العالي الحكومي والخاص، في وقت يتطلب فيه الأمر وقفة شاملة من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لمراجعة محتوى تلك المناهج، ومقدار ما تستعين فيه بمدخلات من البيئة المحلية والثقافة العربية والإسلامية. وهي مراجعة مهمة ومطلوبة، ونحن نشاهد خريجين وخريجات من هذه المؤسسات يصعب عليهم الكتابة باللغة العربية أو التعبير عن أنفسهم بلغتهم الأم، وتغيب عنهم نماذج من واقعهم المحلي أو العربي أو الإسلامي عند الحديث عن نماذج لشخصيات قيادية مؤثرة أو تجارب إنسانية مميزة في بناء المجتمعات، أو عندما يتعلق الأمر بتعزيز مهارات التواصل مع البيئة المحلية.
إن مبادرات إنهاء حالة “التيه” تلك يفترض أن تنال اهتماماً خاصاً من وزارة التعليم العالي والجامعات المحلية الخاصة أو فروع الأجنبية منها؛ لأن الأمر يتعلق بصناعة أجيال وقادة المستقبل.


ali.alamodi@admedia.ae