مع تسارع حركة دوامة الحياة، لم يعد للإنسان فسحة للراحة، وأصبحت الإجازة كاستراحة محارب، لا يكاد يستقر فيها على حال من الهدوء والسكينة، ومع توالي وتهافت الهموم والمشاغل اليومية المتلاحقة لم يعد يعرف الواحد منا ماذا يحدث في قلبه، إن كان فيه ما يسمى القلب، الذي من شدة الصدأ عليه لم يعد يشعر بالحقيقة التي يعيشها العالم من حوله، ولا أنكر أنني بين الفينة والأخرى أتلمس باحثاً عن قلبي الذي يبدو أنه لم يعد قلبي خوفاً وهلعاً. أثارني الفضول للبحث في معرفة حال الأشخاص الذين زرعوا قلوب آخرين، وهل تتبدل مشاعرهم حسب قلوبهم الجديدة، وهل يحبون بالقلب الجديد، وقد وجدت نفسي في موضوع شائق جداً فيه الكثير مما يثبت أن القلب هو الإنسان ذاته، ولم يكن قول الرسول الكريم بأن في القلب مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا عين الحقيقة. وجدت لدى بحثي أن الشعراء العرب قد تحدثوا عن أحوال القلب وماهية ما يعتمل فيه من مشاعر تؤكد أنه ليس مجرد عضلة تنبض بالدم والمشاعر، بل إن له ذاكرة، وهو مركز الإدراك، وليس صحيحاً ما كنا نظنه بأن الحب أعمى حين نحب بقلوبنا دون استخدام عقولنا لأن للقلب عقلاً ؟! وقد أولى الشعر العربي القلب عناية خاصة، فجعل الشعراء الإنسان قلباً ولساناً، بل وأذناً ترسل الرسائل للقلب أحياناً! قال محيي الدين بن عربي: إنَّ اللسانَ رســــــولُ القلبِ للبشرِ بما قـــــدْ أودعـــــهُ الرحمنُ منْ دررِ فيرتدي الصدق أحياناً على حــــذر ويرتـــــــدي المَين أحياناً على خطرِ المَينُ: الكذب وقد اعتقد بهاء الدين زهير أن القلب يدرك ما لا تدركه العين: إنّي عَشِقتُكَ لا عن رُؤيَة عــــــرَضت والقلب يـــــدركُ ما لا يدركُ البصرُ وقال بشار بن برد: فقلتُ دعوا قلبي وما أختار وأرتضي فبــالقلب لا بالعين يبصرُ ذو الحبِ فما تبصر العينان في موضع الهــوى ولا تسمع الأذنــــــان إلا من القلبِ وعندما لامه الناس علي أنه عَشِق فتاة وهو أعمي أجابهم: يا قومِ أذْني لبعضِ الحَيّ عاشقــــــةٌ والأذْنُ تَعْشقُ قَبْلَ العَيْنِ أحيـــــانا قالوا بمنْ لا تُرى تَهْذي فقلتُ لهـم الأذْنُ كالعينِ تُـــوفي القلبَ ما كانا وأشار الشريف الرضي إلي أن القلب يري ما لا تراه العين: والقلبُ ينظرُ مــــــــا لا يَنْظُرُ البصرُ أجفُو لَـــــهُ الوُلْدَ، مَذْخُوراً لَه شَفقي إسماعيل ديب | Esmaiel.Hasan@admedia.ae