أعتقد أننا نعيش صراع الهويات حتى على مستوى الوطن الواحد،? ?فما الذي? ?يجمع بين وعيي الخاص بالهوية التي أنتسب إليها والوعي الخاص بهوية سلفية وهابية المنزع لمصري،? ?يعيش معي في الوطن نفسه،? ?متهماً إياي بالكفر،? ?غير معترف بمفهوم الوطن الذي? ?يجمعنا،? ?وذلك منذ أن استبدل بمعنى المواطنة معنى التمييز الديني?. ?وبعد أن عشنا جميعا في مصر تحت شعار ثورة? ?1919? «?الدين لله والوطن للجميع?» ?أصبح هناك الآن من? ?يستبدل العقيدة بالمواطنة،? ?ويقيم تمييزا قسريا بين أبناء الوطن الواحد،? ?لا على أساس من الدين فحسب،? ?بل على? ?أساس من فهمه هو للدين?. ?وكانت النتيجة أن تمزق الوطن الواحد،? ?وتفتت معنى المواطنة بين الإخوة الذين أصبحوا أعداء?. ?وأعترف بأني أشعر بالغربة الشديدة في وطني مصر،? ?الآن،? ?وبالخوف عليه،? ?فقد أصبح الحبيب جمرا لا? ?يطاق?. ?أما الذي أوصلنا إلى ذلك فهو الحكومات الديكتاتورية التي توالت علينا?. ?وكلها? ـ ?مع فوارق كمية وليست كيفية? ـ ?لم تؤمن بالتعددية الثقافية أو السياسية،? ?ولم تعترف بما? ?يمكن أن نسميه التنوع البشري الخلاق?.? وأعتقد أن ما? ?يمكن أن نسميه بالهوية الإسلامية التي انقسمت إلى هويات متعادية حتى في دائرة الانتماء الإسلامي،? ?قد بدأ بعد سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924،? ?وهو الأمر الذي أدى إلى نهوض تيار? ?يستمد هويته من الدين الإسلامي بالدرجة الأولى،? ?ويخلق لنفسه أعداء مرتبطين بالنموذج الحضاري الغربي الذي كان قد? ?غزا الأقطار العربية. وقد ظلت الهوية الإسلامية قائمة في صلتها بأصولها العربية،? ?ولكن في حالة عداء مع الهويات المغايرة،? ?أو على الأقل في حالة استرابة،? ?فالآخر? ?يظل مصدرا دائما للخطر الذي? ?يهدد الهوية العربية الإسلامية،? ?في تشظيها إلى هويات،? ?لم? ?ينقطع شعورها بالخطر،? ?وظني أن العالم العربي الإسلامي لو كان عرف الديمقراطية حقا،? ?أو نعم بحكومات ديمقراطية عادلة لكانت هذه الهويات قد انفتحت على نفسها وعلى? ?غيرها?. ?ولكن الاستبداد بقي دائما مرهونا بالتعصب، وهو موقف لم? ?يمنع من قيام تحالف بين الديني والسياسي،? ?على أساس من أن الدين بالملك? ?يبقى،? ?والملك بالدين? ?يقوى?.? وبقدر ما ظل الاستبداد السياسي ظل التعصب الديني قائما?. ?وزاد الطين بلة،? ?دخول العامل القومي الذي صبغ? ?القومية بصبغة الاستبداد في مدى التعصب الذي? ?يستريب بالآخر،? ?ولا? ?يقبل الاختلاف?. ?وتفاعلت دوافع استعمارية واستبدادية في خلق هذه الهويات الدينية التي أسهم الاستعمار القديم والجديد في تشويهها،? ?وتحويلها إلى هويات قاتلة? ?غارقة في التعصب،? ?ميالة إلى إقصاء? ?غيرها دائما،? ?وتوهم كل فرقة منها أنها الفرقة الناجية،? ?دائما،? ?تأويلا للحديث?: «?تنقسم أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار ما عدا واحدة»، وأعتقد أن مواجهة هذه الهويات القاتلة لن? ?يكون إلا بنقيضها?. ?أعني الهويات المفتوحة المتقبلة للآخر،? ?في مدى الإيمان بالتعددية والتنوع الثقافي الخلاق?. ?وهو ما لا? ?يحدث إلا في الدولة المدنية الحديثة التي أرى فيها الحل لكل مشكلاتنا?.?