كان بيننا شجون في أكثر من مرة، حول منطق الأشياء .. أي أشياء .. العدل والظلم.. اللوائح والمخالفات.. الأبيض والأسود، ومن منطق الأشياء أيضاً الاختلاف في وجهات النظر، والحياد والجُبن، والفارق بينهما ومتى تكون الموضوعية هي الأساس، وأن أكون مجرد ناقل، ومتى يجب علي أن أكون في أحد الجانبين، دون أن يعني هذا أنني عدو لك. في مهنتنا، الموضوعية هي الأساس، وذلك حين نتصدى لحدث من الأحداث، فتحليل مباراة ليس قابلاً لوجهات النظر أو الحب والكراهية، لكنه رصد للإيجابيات والسلبيات، وتقدير موضوعي لأسباب الفوز والخسارة، ورصد للأهداف التي لن تغيرها وجهة نظري، وإن تعرضت لما وراءها والخلل الذي تسبب فيها، والأمر ذاته ينطبق على التحقيق الذي هو عبارة عن قضية، يدلي فيها كل طرف بدلوه، وفي النهاية ووفقاً لوجهات النظر، تتشكل قناعة عامة، تعود إلى أصحابها وليس لكاتب التحقيق. تبقى الزاوية، وهي شديدة الخصوصية.. هي بنت كاتبها، وهي الأمانة الثقيلة التي تحملها، وعليه أن يجتهد قدر الإمكان ليكون صادقاً في طرحه، مستنداً إلى مبررات حقيقية، وليس إلى حب وكراهية أو «خفة دم هذا» و«ثقل دم ذاك». وفي الزاوية وعند التعرض للقضايا، قد لا يجوز الحياد، لأنه حينها يصبح لوناً من ألوان الجبن، وهروباً من مسؤولية القلم، لكن الكثيرين في الساحة لا يرون الأمر كذلك، وإذا ما وقفت معهم اليوم، فأنت القريب وأنت الحبيب وأنت من يقول كلمة الحق، لكن إذا تبدلت الأمور وانتقدت الشخص ذاته في موقف آخر، تنقلب الأمور رأساً على عقب، فتصبح من يزور الحقيقة، ومن يساند طرفاً على حساب آخر، وربما يصل الأمر مداه، فيتهمونك بالعمالة ويحسبونك على هذا النادي أو تلك الجهة. ليس متاحاً ولا مباحاً إذا كتبت عن قضية أو مخالفة، طالما أن بين يدي الأوراق والدلالات، أن أقف موقف المحايد، لأنني ساعتها بالذات لن أكون محايداً، وإنما أنا مع طرف قلباً وقالباً ولكن بطريقة أخرى فيها الكثير من اللؤم والتعتيم على ما هو واضح، والهرب من المواجهة، ولا شيء في الحياة يستحق أن تكون جباناً أو أن تكون كاذباً، فتروج لخلاف ما تعتقد وتؤمن. الحياد له مكانه وهو معروف، وقد يصبح ضرورة عندما يفرضه الواقع، لكنه أيضاً ليس مقبولاً على الإطلاق عند الرأي وعندما يكون مطلوباً منك أن تحدد هل أنت مع «الأبيض» أم «الأسود». تبدو الزاوية مغرقة في الغموض إلى حد ما، لكن من يتابعون المشهد الرياضي عبر مسارات أخرى، تشبه مسارات «تحت الطاولة»، سيعلمون إلى من تتجه ومن المعنيون، وسيدركون أن ساحتنا في كثير من مشاهدها مبتلاة بمن يرون الخلاف في الرأي عداوة، ومن لا يريدون إلا الانتصار لقضاياهم والدفاع عن وجهات نظرهم، ولو علموا حقيقة الأمور لأدركوا أن الصدق وحده هو السبيل للأفضل، سواء لهم أو لمن يقولونه، فالحياد الذي يريدون ليس إلا فاصلاً من النوم والاستمرارية فيما يفعلون، أما الصراحة والمكاشفة، فربما تكون وسيلتهم قبلنا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. الصدق دائماً هو الطريق، أما ما يريدون فليس سوى متاهات تدور حول الحقيقة وقد نكتشف فيها أننا «ضائعون». كلمة أخيرة: مهما رفعك الناس لن تشعر بالفارق ما لم ترتفع أنت أولاً أمام نفسك mohamed.albade@admedia.ae