اليوم الخميس، ومع بداية عطلة نهاية الأسبوع، تشهد المناطق التجارية في قلب المدن حالة من الرواج والاكتظاظ والازدحام الكل فيها حاضر إلا المواطن. المَشاهد في أيام العطل الأسبوعية والإجازات تلك تكون أكثر تركيزاً لواقع يومي عبر عنه بطريقة لامست القلوب، معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في تغريدة لمعاليه على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي”تويتر”، عندما قال” إنه من المحزن أن تتحول كل أحيائنا إلى مناطق تجارية، ويصبح قلب مدننا خالياً من مواطنيه، وأن تصبح مناطق عزيزة على آبائنا غريبة على أبنائنا”. وقبل أن ينبري قائل بأنها طبيعة التطور الذي تمر به المدن في سنن مسارها التاريخي والمعماري، نقول إن مدننا ليست استثناء من مدن العالم، ولم تولد بعملية قيصرية. التخطيط العمراني جنى على مدننا الكبيرة والرئيسية بوجه خاص، لنستيقظ على واقع مر، أردنا تناسيه، فذكرتنا به مجدداً بألم وحسرة هذه التغريدة. ولتتعاظم مشاعر غربة حقيقية لدى أي مواطن عندما يمر بمناطق وشوارع الأبراج التي قامت على أنقاض البيوت البسيطة في أحياء أبوظبي القديمة، والتي كانت “فرجاناً” تحمل اسم عوائل أو قبائل كانت تسكنها في البدايات الأولى، أو يستدل بها بمعلم بارز ارتبط بها كالحصن أو “البور هوس” أو عند دار “درويش بن كرم” أو” البطين” و”المحاربة”و غيرها. والأمر ذاته عندما تعبر الأحياء القديمة في دبي وأسواق ديرة وبر دبي الأقدم على مستوى المنطقة. يتفهم المواطن ضرورات التطور الاقتصادي والمعماري، وما يتوجب من توسعة وإعادة تخطيط وإسكان في مناطق حضرية جديدة، إلا أن ذلك لا يعني الانسلاخ عن واقع يتعلق بدلالات وجوده، باعتباره روح ذاكرة المكان وامتداده. ويتفهم المواطن تبعات هذا التدفق البشري الذي أضفى على مدنه طابعاً”كوزموبوليتانيا”، أصبحت الإمارات تستمد منه تنوعها الثقافي، وبات سمة وعنوان نهج التعايش والتسامح. ولكنه يقف حائراً أمام إجابة السؤال الكبير، عندما يسأل السائل: أين أهل البلاد وسط هذا الزحام في قلب المدينة؟ سؤال طرحه أهل القلم مع أولى موجات بحر البشر قبل أن يتحول إلى سيل هادر، ولجج عاتية، تكبر وتكبر حتى تغمر المكان لينبجس عن واقع جديد غريب التركيب والمفردات والأدوات. وجاءت تغريدة الدكتور قرقاش لتجدد الإبحار في فضاء ذلك السؤال، والذي التهب في فضاء الإنترنت عندما تجدد الحديث عن إعادة تأهيل المنطقة التاريخية المحيطة بقصر الحصن في قلب العاصمة أبوظبي. والمسألة لا تتعلق بمتلازمة الحنين للماضي، قدر ما تكون خاصة بالذاكرة الجمعية وتعزيز الهوية الوطنية لدى أجيال أبصرت النور، وتناسلت وهي في أطراف المدينة وضواحيها الخارجية، ولم تعد تتعامل مع قلب المدينة إلا بصورة عابرة، بذات السرعة العابرة أو المتأنية لتخليص وإنجاز المعاملات وقضاء الحاجات أو في المواسم والمهرجانات التراثية. واعتقد أن الوقت ما زال في صالحنا اليوم لقلب المعادلة من تبني حلول تُمّكن من “تحفيز” نمط جديد للتخطيط العمراني”يعيد الأبناء إلى قلب المدينة، وإلى أحياء تغربت، وفي مثل هذا التوجه - كما جاء في تغريدته -”حفظ لأمننا وذاكرتنا وتاريخنا”. ali.alamodi@admedia.ae