قبل كتابة هذه السطور، كنت أفكر بثيمة الفرح وكيفية الدخول إليها عبر هذه المساحة، وفي اللحظة التي أتذكر فيها كيف كنت أدرك معنى الفرح، وكيف يمكن خلقه وجعله يتوهج، متصاعداً إلى ذروته الفاتنة، أجدني التسع بشيء من الكآبة التي كثيراً ما طردتها بعيداً، وأزحت وجهها نحو التلاشي، على الرغم من كل محاولات الواقع كي ينغص اللحظة واليوم، كي يزيح بهجة الفكرة، وجمال السؤال، كي يردي القلم ويصادر لذة الكتابة، ويدعك في العسر.. ها هي تعاود بإطلالتها المزعجة، وكأنها تريد أن تؤكد أنها هي المشهد الأكثر حضوراً في الحياة، هي الحقيقة الأزلية الساكنة في دروبنا. يعتقد البعض أن الكآبة هي مصدر الكتابة والإبداع، ويعيشون في أجوائها ويصدرونها إلى القريبين منهم، يجعلون الأيام طويلة ومملة، النهار باهتاً والليل بلا نسيم، يرسمون الوجوه وكأنها تخرج تواً من قبر رقدت فيه مئات السنين، يعزفون وكأن الموسيقى تأتي من دهاليز خاوية ومتصدعة من شدة القفر.. يعتقد البعض ذلك فيما حقيقة الكتابة والإبداع تكمن في القلق وليس في الكآبة، الألق الجميل والمحرض للاكتشاف والتأمل في سر الخلق والاكتمال والتكامل في منظومة الوجود. عندما تأتي هذه الكآبة، يأتي السؤال بدوره عن ما هو السبب، وفي الوقت الذي تكون للكآبة عند البعض أسباب عديدة في الحياة، منها عندما تُمس حياتهم بالسؤال، ويكون اللا توفيق رديفهم، عندما يحبط القلب، ويرتد الشعور إلى الداخل، بدلاً من أن ينتشر وينفث عبيره ويتألق كشمس الصباح. تكون هناك أيضا كآبة نراها في الوهلة الأولى على أنها بلا أسباب، أنها تحط هكذا بلا سابق إنذار، تدخل في الفؤاد وتشكل شعوراً ملؤه الحزن والرغبة الدائمة في بتر الأشياء، بتر اللقاء والحوار، بتر المشهد، وأقصاء الشعور، والانتقال السريع بالبصر، رغبة عارمة في الهروب والغياب والتلاشي.. ولكن عند التأمل عميقاً في المصدر المسبب لهذه الكآبة فإننا نجدها دائماً تأتي من اتساع الرؤية وقراءة المشاهد، وهي في الحاضر والمستقبل، حيث يُصدم الشعور باللا أمل وانتهاء القدرة على التجريب، وإعادة تشغيل الأسطوانة ذاتها من حياتك، حيث تقف عاجزاً عن فعل أي شيء لتغيير المشهد، وإنقاذ سير الجموع الأعمى نحو الجدار؛ وتوجيهه نحو ما تبصر أنت، حيث البراح المفتوح المليء بالأزهار والأشجار، بمشهد القمر ونسايم الجهات؛ تبصر المدى الشاسع للإبحار، وتعرف كيف تشد الأشرعة في وجه الرياح.. يخلق الوعي الكآبة حين تكون اللا جدوى حاضرة في الكثير من تفاصيل يومك، وحين تُحدِّث الأمل تراه قد أدبر عنك.. ولكنه في الآن نفسه يعمل على خلق الفرح، حيث في الواقع، الفرح يخلق، أنه يربى في الشعور ويكبر معه، مع التفكير المتألق، مع الإصرار على الجمال، مع عدم التوقف عند أسباب الكآبة، حيث الوجود جمال، والكون مصدر للفرح، وفي هذه الحياة القصيرة اعتقد دائماً علينا أن نحتفي ونحتفل بالفرح حتى تطير كل العصافير في دواخلنا بسلام. saad.alhabshi@admedia.ae