هل رأيتم ما حدث أمس الأول في دور الثمانية لدوري أبطال أوروبا، هل شاهدتم كيف تنتصر الإرادة حتى لو خسر الفريق مباراة، هل علمتم كيف أنه بإمكان الخسارة أيضاً أن تُفرح؟؟. نعم تُفرح طالما أن الفريق أدى ما عليه، وأخيراً هل شاهدتم كيف أن للثواني ثمناً وكيف أن الدقائق تساوي أياماً لدينا، وأنه لا مجال لليأس طالما أن هناك إرادة وطالما أن هناك لاعبين تراهم كالوحوش يدافعون عن ألوانهم حتى الرمق الأخير. لقد حفلت جولة أمس الأول في دوري الأبطال الأوروبي بدروس عالمية مجانية، لكن لمن يعي ومن يعقل ومن يتعلم، سواء من جلطة سراي أو من ملقة، وبعدهما من ريال مدريد ومن بروسيا دورتموند. في مباراة ريال مدريد مع جلطة سراي، لم يكن الأمر نزهة كما تصور «المدريديون»، فالمضيف كشر عن أنيابه، وبدا لكثير من الوقت وكأنه عازم على أن يقلب السحر على الساحر، وأن يبعثر الأوراق، ولولا الساحر كريستيانو رونالدو صاحب هدفي الريال، لكانت للنتيجة حسابات أخرى، وربما لاحتفلت تركيا، وليست إسبانيا، بعد أن ظل الريال متخلفاً بثلاثية مقابل هدف قبل أن يوجه رونالدو الضربة القاضية للأتراك في الدقيقة الثانية من الوقت بدل الضائع. هناك.. في مثل هذه الأجواء فقط، لا يضيع الوقت، وليس أدل على ذلك من أن الوقت الضائع عينه، والذي هو ضائع لدينا فقط، يكون كل الوقت، ويكون كل المباراة، فقط بالإرادة وبهذا الصنف من اللاعبين، الذين يحولون الثواني إلى ساعات ويختارونها ليكتبوا فيها كلمة النهاية كما يريدون. أما تأهل بروسيا دورتموند، فهو الحكاية الأروع والدرس الأكبر، فالفريق الذي ليس بالمخيف في الدوري الألماني، والذي تأهل من مجموعة نارية كان من ضحاياها مانشستر سيتي، سطر أمس الأول ملحمة حقيقية، بعد أن تعادل في مباراة الذهاب مع ملقة من دون أهداف، وقبل أن يحدد وجهته في مباراة العودة، باغته ملقة بهدف أربك حساباته وبعثر أوراقه، لكن البعثرة ليست من طبع هكذا فريق، لأنه عاد وسجل، وفي الشوط الثاني الذي تسيده، عاد ملقة وسجل في الدقيقة 82 وذلك بحد ذاته منتهى الإحباط لمن يفتحون صدورهم للإحباط، غير أنه ليس من هذا الصنف أيضاً، فقد عاد وسجل في الدقيقة 91، 93 ليتأهل، في مباراة كان وقتها الضائع هو كل الوقت، وأغلى وقت وأروع وقت. من هنا، كان طبيعياً أن نرى ما رأينا، وأن تقفز تلك الهستيريا الاحتفالية من الشاشة، لتسحبنا من أيدينا، فنقف دون وعي، ودون أن نكون مع هذا أو ذاك، فقط لنحتفل بالكرة، ونحتفل بالإرادة، وبأداء من كواكب أخرى، ينسينا هذا «التصوير البطيء» الذي نشاهده فقط عندنا. 71 ثانية، رأت صحافة إسبانيا، كما رأى رئيس نادي ملقة، القطري الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني، أنها كانت عنواناً للظلم، لكنني عن نفسي، التهمت مع أصدقائي وجبة كروية كاملة الدسم، لدرجة أنها أنستنا، من الظالم ومن المظلوم. كلمة أخيرة: الوقت لا شيء.. أنت فقط من يحدد كيف يكون. mohamed.albade@admedia.ae