لم نكن يوماً هكذا.. لم نكن يوماً بتلك القسوة وهذه العصبية والانفلات .. كان جمهورنا في كل حالاته نموذجاً للتسامح والتعقل، وفي أكثر أحواله تعصباً لم يخرج عن النص مثلما فعل أمس الأول في مباراة الأهلي والعين .. لم نشاهد دماء الحكام تسيل كما رأيناها من الجلاف.. عندها أدركت أن شيئاً فينا قد تغير وأن جيلاً جديداً قبل على المدرجات مشحوناً بشحنات سالبة لا تعرفها كرة القدم ولا تبيحها أعرافنا وتقاليدنا التي تربينا عليها. من تابع مواقع التواصل الاجتماعي أثناء وبعد المباراة وقبلها أيضاً، أدركوا أن شيئاً قد تغير، وأدركوا أن شيئاً قادماً في الطريق، وما شاهدته على «تويتر» بالذات يدل على أن الأمور خرجت عن الحد وتجاوزت المدى، فالصورة على تويتر كانت أكثر تشاؤماً منها في الملعب، وتجسدت في هذا الكم الكبير من السباب الذي لا نعرف له أصلاً ولا سبباً. زمان.. في الماضي، لم يكن الأمر يتجاوز عدة منتديات، يتحاور فيها عدة أشخاص، نعرفهم ويعرفوننا، يتسلحون بالمبادئ التي توارثناها، ولكن مع تطور الأمر، وظهور هذا الإعلام الموازي، الذي استقل به رواده عما عداهم، بدأت الأمور تخرج عن السيطرة، فكان طبيعياً أن نصل إلى تلك المحصلة، وأن يختزل مشجع بلا وعي كل هذا الإسفاف، فيلقي ببطارية من المدرجات، يصيب بها الجلاف، ومعه يصيب كرة القدم، ويصم الجماهير بأسرها بوصمة تحتاج إلى وقت حتى نتجاوزها. أُدرك أن المدرجات يحدث فيها ومنها الكثير، والدوريات حولنا تصدر لنا يومياً الكثير من المشاهد والخروج عن النص، لكننا كنا دوماً فخورين بأنفسنا، متمسكين بما لدينا ونباهي به العالم، وأمس الأول، أسقطت «البطارية» هذا الحد الفاصل بيننا وبين سوانا. لست في معرض اتهام أحد ولا التعميم على الجمهور، ولكن ما حدث ينال من كل الجماهير.. من التزم ومن شاغب، وهذا الذي ألقى «البطارية» لم يكن يجلس وحده، وإنما كان يجاور آخرين رأوا ما فعل وأقروه، بدليل أنهم لم يبلغوا عنه، وبالتالي فإن الواقعة ليس طرفها مشجع واحد، وإنما كل من رآه، واختار أن يصمت. القضية لم تعد في نقاط مباراة ستفصل فيها لجنة الانضباط التي باتت المباراة بكل أحداثها بين أيديها وليست في إصابة الجلاف مع كامل تعاطفنا معه، وليست كذلك في حال التحكيم وتصاعد الشكوى منه، لكنها باتت فينا نحن، وفي إمكانية أن نفرط بسهولة في كل ما جمعناه وحصدناه على مدار السنوات الماضية، والقضية أيضاً باتت في تلك النوافذ التي جعلوها من الإعلام فباتت أبواباً للشائعات وبث السموم. في الكثير من دول العالم، يسير الإعلام الموازي في خط معين، كأداة للتواصل السريع وتبادل الأفكار، والسبب ربما أنهم هناك مشغولون في الغالب بأمور أهم، لكن الكثيرين لدينا ليسوا مشغولين إلا بـ«تويتر» وإخوانه، والبعض لا ترى لهم عملاً سوى الجلوس 24 ساعة - دونما نوم ربما- في ملهاة تتواصل ليلاً ونهاراً، تتصاعد لتنال من الناس وتشحن الجماهير، فتصبح المحصلة كما رأيناه دماء تسيل على البساط الأخضر. الكرة لا تزال في ملعب الجماهير أولاً للتخلص من كل تلك العناصر ونبذها والإرشاد عنها، وبعدها الأندية، التي يجب أن تتواصل مع جمهورها أكثر، لتعلمه أن «من المحبة ما قتل». كلمة أخيرة: ليس كل ما على تويتر «تغريدات» .. أحياناً يكون نعيقاً ونعيباً كصوت الغراب mohamed.albade@admedia.ae