وكأن ما يعيشه عالمنا العربي، مما بعد التخلف إلى ما بعد الحداثة الذي جاء به نيتشة، على أساس النظرية التفكيكية، رافضاً بذلك نظريات من سبقوه من كونية رواقية إلى إلهية مسيحية، إلى رأسمالية تعتبر ذلك كله يصب في سياق العبودية لمطلق خارجي، والرأسمالية بعلمانيتها، وخروجها عن نص المسيحية، اعتبرها نيتشة استدارة خاطئة باتجاه الفرد الذي أصبح مروره وعمله حراً، بلا قيود.
وما نشهده اليوم، من عبث سياسي، وعقائدي، جاءت بهما رياح الربيع العربي، هو محاولة لتفكيك الممزق، وتمزيق المفكك، والدخول بالأوطان نحو عدمية مدمرة، وحياة إنسانية غامرة، وعامرة بالفقدان الكلي لأبسط معاني العيش الكريم.. وتحت سطوة هذه الانهزامية الروحية، والهزيمة الأخلاقية، وفداحة الخسارة في القيم، فنحن بحاجة إلى ديكارت جديد يعيد لنا لملمة ما تبعثر، ويقوِّم ما تعثر، بحيث نشك لكي نكمل مسيرة التفكير، ونفكر لنؤكد وجودنا وهويتنا، وسيادتنا بعيداً عن أوهام حرية مزعومة، أطاحت بالقيم والثوابت ودحرت الأخلاق الوطنية، واجتثت الضمير الإنساني من جذوره، بحيث أصبح كل يغني على ليلاه، وكل يقول أنا ومن بعدي الطوفان. ما جعل الأوطان تئن تحت فؤوس التدمير المبرمج، والإنسان الذي كان كريماً في الحد الأدنى صار اليوم يبحث عن مستقبله بين ركام ما تهدم وأناشيد الحياة، وأغنيات الأمل.. اليوم نحن بحاجة إلى من يروض الوحوش الضارية، التي أخذت على عاتقها تهشيم أشجار الغابة بدلاً من تهذيبها، وعلينا أن نفكر ملياً فيما يجري على الساحة العربية، من عبث حسيس، وسياسة عابثة، مدفوعة بعقائد جهنمية وهمية غائمة معتمة، ظالمة مظلمة، متشائمة مدلهمة، متفاقمة مسقمة، لا تعرف غير سرقة الوجدان الإنساني، وحرق المراحل، والقفز على حبال الشعارات الباهتة، والسباحة في أحواض موحلة، ضحلة، والدخول في معارك الغنائم، وما تجره من ويلات على حساب الإنسان البسيط، الذي كان يتطلع إلى غد تشرق فيه شمس الحرية من دون ضغائن، ولا مكائد، ولا انتماءات إلى خارج حدود الوطن الواحد.. حسن الأمين، أحد المعارضين لنظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، عاد إلى وطنه، ثم هرب إلى منفاه السابق، بعدما رأى من خيبات ونائبات، أصابت ضلع الوطن، بمقتل لأن الذين واجهوا الظلم أصبحوا أشد ظلماً وفتكاً، وانتهاكاً لحقوق الإنسان ما اضطر هذا المعارض العتيد للعودة بخفي حنين، منتعلاً يبابه وخرابه، وإحباطه، ليكمل الثلاثة عقود التي قضاها في منفاه، بسنوات ما تبقى من عمره.


Uae88999@gmail.com