زارني زميلي محمد بدوي، تلميذي السابق الذي استوى عوده العلمي واكتمل نضجه وتعددت إنجازاته؛ فأصبح زميلا أعتز بزمالته. وكان معه الدكتور حسام نايل آخر من حصل على درجة الدكتواره تحت إشرافي، لكي يهديا لي العدد الثاني من مجلة فصول بعد أن أصبح محمد بدوي رئيسا لتحريرها. وقد فرحت بهذا العدد بعد أن قرأت بعض مقالاته في صبيحة اليوم التالي. وتداعى إلى ذاكرتي اسم العنقاء وأسطورته على السواء. ويبدو أن سبب هذا التداعي هو أن مجلة “فصول” وصلت إلى ذروة شيخوختها التي أفضت إلى ما يشبه موتها المعنوي في السنوات التي أشرفت فيها زميلتنا هدى وصفي على المجلة وانفردت برئاسة تحريرها. وللأسف كانت هدى وصفي مشغولة عن المجلة بأشياء أخرى. فأخذت المجلة تفقد قوة جذبها للقراء تدريجيا، وانتهى بها الأمر إلى الوجود الذي يشبه عدمه. ولحسن الحظ، أحسن زميلنا أحمد مجاهد، اختيار محمد بدوي لرئاسة تحرير المجلة التي شاخت كالعنقاء، فإذا برمادها تشتعل فيه نار الحياة وتتوهج برؤية فتية وعفية للحياة والأدب والفن على السواء، فعادت فصول متجددة بعزم لا يلين، استمد نضارته وحيويته من ثورة الخامس والعشرين من يناير التي كانت ولادة لوعود مليئة بالأمل. ورغم أن الثورة سُرقت من أصحابها الحقيقيين لكن الآمال الواعدة التي تفجرت منها بالخصب، انتقلت إلى “فصول” الجديدة، فصدر عددها الأول مهتما بالنقلة من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي. وتبعه عددها الثاني بعنوان: “هل للثقافة مستقبل في مصر؟”. وعندما تصفحت العدد قلت لزميلي محمد بدوي: لقد عادت الروح إلى فصول، وإلى اشتباكها الحيوي بالواقع، وإلى حلم من فكّر فيها، وأراد أن تكون مدفعية ثقيلة للنقد الأدبي. وصاحب هذا الحلم الذي جسدته المجلة في عهدها الأول هو شاعر مصر العظيم صلاح عبد الصبور. وكان أيامها يشغل منصب رئيس الهيئة العامة للكتاب. وكنا نلتقي به أسبوعيا في مكتب المرحوم فاروق خورشيد في باب اللوق، مع أعضاء الجمعية الأدبية المصرية التي كان صلاح عبد الصبور أبرز مبدعيها في الشعر، ولا أزال أذكر نبرات صلاح في إحدى ليالي الثلاثاء، يوم لقائنا الأسبوعي، وهو يحدثنا عن الحاجة إلى مجلة متخصصة في النقد الأدبي، لا يكون النقد فيها هامشيا أو عجولا عابرا، وقال أريد لهذه المجلة أن تكون مدفعية ثقيلة للنقد الأدبي. كان ذلك في أواخر السبعينيات. وتبلور الحلم في مطلع عام 1980، وأصبح عز الدين إسماعيل رئيسا لتحرير “فصول” الجديدة، وأنا وصلاح فضل نائبي رئيس التحرير. ومضت فصول من نجاح إلى نجاح لسنوات عديدة. ولكن انكسر المسار وظهرت علامات الشيخوخة على المجلة التي ظلت مصدر اهتمام المثقفين في كل أقطار الوطن العربي.