رحل أحمد راشد ثاني تاركا كل شيء، الأصدقاء والعائلة والعمل والكتابة والتفكير والشعر، رحل هذه المرة إلى البعيد إلى فضاء الخالق المفتوح روحاً، وإلى أعماق أرض مسقط رأسه خورفكان جسداً، رحل أحمد هذه المرة ولن يعود، لن نراه كما كنا، لن نلتقي بين فترة وأخرى كعادتنا في الأيام الأخيرة، لن نجلس ونتحدث في شؤون الحياة، في الكتابة والشعر والصحافة والسياسة وأحوال الوطن، في شؤوننا الصغيرة عن أبنائنا الذين كبروا، عن مدارسهم وشقاوتهم عن مميزاتهم وعن حبنا لهم، لن نلهو ونسمع ضحكتك المجلجلة حين يكون الكلام مفاجئاً، وحين يكون المشهد ساخراً، والحسرة والأسى حين تكون التفاصيل التي نعيشها محزنة أو نبأ عن حدث مؤلم مر بأحد أحبتنا، لن نغني تلك الأغاني التي نرددها على مدى سنين، الأغاني التي تحرك فينا شعور الحنين لأماكننا ولقصص البحر وحكايات أهلنا وسيرة البلاد في تاريخها الطويل، الأغاني التي تنعش ذاكرة قلوبنا.. رحل أحمد وأخذ معه وهجاً كان يخلق في المدينة إيقاعاً خاصاً، حيث فقط مجرد وجودك يا أحمد وإن لم نلتق كثيراً كما كنا في السابق إلا أن عمق علاقاتنا، صداقاتنا المؤسسة على المحبة والوعي العالي والقبول المدرك كانت كافية لأن تبقي لمجرد وجودك في المكان قيمة عالية لتوازننا الروحي في المدينة. ولكن رغم هذا الرحيل ستبقى أيها الصديق في أعماق الذاكرة، ساكناً بتؤدة لن تغيب ولن يكون رحيلك سوى بالجسد، ففي علاقتنا مع كل أصدقائنا المشتركين تفاصيل لن تغيب ولن تنتهي ما دمنا نتنفس ونتأمل، والخيال لم يزل نشطاً في رؤوسنا، لن تغيب الحوارات واللقاءات والأغاني وفرحنا الكبير وضحكنا، ستبقى لأنها زادنا في مسيرة الحياة ولأنك حقيقي وعميق يا أحمد. ??? برغم هذا الفراق المرير لا بد من أن ننبه وأن نقول بضرورة الانتباه جيداً إلى تجربة أحمد راشد ثاني الإبداعية الشعرية والمسرحية والبحثية وحتى تجربته في الشعر المحكي الإماراتي وهي إحدى تجاربه المهمة جداً على صعيد القصيدة باللهجة المحلية، حيث يعد أحمد من أول المجددين في هذا النوع من الكتابة، وكذلك مشروع كتابته الروائية حيث له مخطوط في هذا الجنس الأدبي. من المهم الآن أن تتبنى جهة رسمية من خلال عائلته كل منجز أحمد راشد وأن تتولاه بالرعاية، وأن يتم الانتباه إلى أوراقه ومخطوطاته التي لم تخرج من الأدراج بعد وذلك حتى تجد طريقها للنشر، أن يعتنى بتجربة أحمد من خلال إقامة ندوات وإجراء البحوث النقدية الجادة. أن يكرس أحمد كقامة أدبية إماراتية عالية بامتياز، ذلك لأنه بحق أحمد راشد ثاني قامة أدبية يجب أن تكرس وتوثق وتحفظ على الدوام للاحقين من الأجيال المبدعة ورفيقي ومحبي المعرفة. ??? وداعا أيها الصديق الذي سرت قبلنا في درب الحقيقة الأزلية، تلك الحقيقة التي نعرفها جيداً ولكن لا مناص من أن تصيبنا بالوجع كل ما رحل عنا من نحبه ومن يرتبط معنا بتفاصيل لا يمكن أن تنسى كما يقول الصديق الشاعر سيف الرحبي في اتصال بعد رحيلك بيوم يا أحمد “ لا نستطيع برغم معرفتنا الأكيدة للموت إلا أن نحزن.. ليس هناك من حل آخر”. وداعا أيها الصديق فإن مكانك القلب. saadjumah@hotmail.com