أطفال اليوم يعانون متناقضات وجدانية وثقافية رهيبة وغريبة ومريبة، وعجيبة، ومهيبة، ومخيبة للآمال، فما بين شاشات تلفزيونية تفتح آفاقها على مدار الساعة، وتبث رسوماً متحركة فاضحة ناضحة بالسموم والغيوم والسقوم، وتأنيب ذوي الأمر والمعروف من أولياء الأمور، يقولون لهم هذا عيب فلا تتابعوا مثل هذه المسلسلات ذات المشاهد المعيبة، بينما التلفزيونات تصب جحيمها ليل نهار، والأهالي مشغولون لاهون لاهثون وراء مثيرات اجتماعية أخرى.
أطفال اليوم ضحايا هذا الشرخ الاجتماعي، وهذه اللاءات الصارمة، مقابل مدهشات تشيب لها الولدان، وتهتز لها الجبال والوديان، ويعجز عن تفسيرها الإنس والجان، نعم، لا توجد معالم ثقافية واضحة ومدروسة، ولا توجد استراتيجية علمية، تضع حداً للغث، وتمنع الرث وتواجه العبث بأدوات فصيحة اللسان والبيان .
الفضائيات انتهزت فرصة الحريات المغلوطة، فعملت على فتح صنابير بثها بكل أريحية وحرية، فلا أحد يستطيع أن يمنعها ولا أحد يستطيع أن يقول: لا، وأرجوحة التناقض تشوح وتلوح، وتطيح هؤلاء الصغار، فالكبار يريدون ولا يريدون، يريدون إسكات الأطفال وإلهاءهم، حتى يأخذوا هم أقساط الراحة بلا ضجيج ولا عجيج، ولا يريدون لأطفالهم أن ينغمسوا في وحل الخراب الوجداني، ما الحل؟ لا حل طبعاً لأن ماكينة الفضائيات من مصلحتها كسب المشاهد وبأي ثمن حتى ولو كان على حساب القيم، لأن الانتشار الفضائي يضيف رصيداً وافراً من الإعلانات التجارية، وبالتالي لا أحد يستطيع إسكات هدير الأمواج وبطش الأفواج الهائلة من المسلسلات التي تفتح عيون الأطفال على مخابئ الأسرار الكامنة، والتي لا يريد الكبار أن يقترب منها أحد سواهم، لأنها تخصص الكبار فقط؟
معضلة اللاءات تكبر، عندما لا يكون الوعي ناضجاً بأهمية استيعاب ما يتم بثه، ومن ثم توجيهه التوجيه السليم، بحيث لا يضر مشاعر الصغار، كما أنه لا يتم تقديمه إلى درجة تجعله من الأمور المطلوب البحث عنها، ولو بطرق سرية، أو بتلميحات لا تثير الغضب.
معضلة الرسوم الفاضحة لا تكمن في بثها فحسب، بل أيضاً في كيفية تعاطي أولياء الأمور معها، وذلك لغياب الوعي، وغياب ثقافة التعليم، وإيصال المعلومة من دون خسائر فادحة، فنحن نلوم الفضائيات لأنها بلا سقوف، ونلوم المجتمع برمته لأنه بلا ثقافة واسعة، تحتوي ما يبث بأسلوب ممنهج، لا تفريط فيه ولا إفراط، والذي يحصل هو أن الأمور تسير بخطوات واسعة، أوسع من قفزات الصغار، ما يجعلهم يقعون في المحظور، وأحياناً في الحفر، وكثير منهم قد لا ينجون من مخاطرها.



Uae88999@gmail.com