يمكن- لمناسبة فوزه بجائزة ملتقى الشعر بالقاهرة-أن نصف منجز الشاعر والناقد والأكاديمي الدكتور عبدالعزيز المقالح بأنه تمثيل ثقافي لشعرية الكفاح، لا بالمعنى السياسي، رغم أن للمقالح مواقف سياسية كونه من أوائل مناصري ثورة سبتمبر وإعلامييها والتي نقلت اليمن للعهد الجمهوري بعد الإمامة، وجهوده في نشأة المؤسسات التربوية والعلمية، واستقطاب الخبرات العربية للجامعة التي طور سياقاتها في العقود التي تولى إدارتها فيها، ورغم ما ناله بسبب مواقفه الوطنية خارج بلده، فتم ترحيله قسرا من القاهرة بعد اتفاقية السادات/ بيغن.. لكن الكفاحية التي نصف بها شعرية منجزه المتنوع، قصائد ودراسات ومقالات، تعود لسيرته الثقافية المقترنة بالكد الشخصي والنحت في حجر التخلف زمن الإمامة، وانتزاعه فرص التعليم خارجا من قريته المسماة باسم أسرته والمنزوية في واد خفيض يطل عليه جبل سماره، لاستكمال تعليمه في الخرطوم ومصر التي سيقضي فيها الشطر الأكبر من حياته الدراسية حاصلا على الدكتوراه وباحثا في تراث بلده وأدبه الشعبي وشعره.. وكنت وصفت المقالح في مناسبة تعود لمطلع التسعينيات بأنه سفير اليمن في اليمن إشارةً لجهده في التواصل مع المثقفين عربا وأجانب وجلاء صورة اليمن في المشهد الثقافي والحضاري المعاصر. إذا ذُكرت اليمن ذُكر المقالح، وإذا ذُكر المقالح ذُكرت اليمن، تلك مقولة شائعة في أوساط المثقفين العرب، فقد وهب المقالح حياته كلها لأدب وطنه، رغم إسهاماته الفاعلة من خلال منجزات جيل الستينيات (الذي ينتمي إليه) في الحداثة الشعرية من خلال الكتابة النقدية التي له فيها مؤلفات عديدة تتعرض لأبرز قضايا الأدب والفكر في اليمن والوطن العربي. والتعريف بأدب وطنه وأدبائه. لم يغادر المقالح اليمن منذ أمد بعيد، لكنه حاضر في قلب الثقافة العربية المعاصرة عبر كتاباته اليومية والأسبوعية، وعبر تواصله واتصالاته ونشاطه الأكاديمي المميز، وإصداراته التي تعكس رؤيته المتقدمة في الأدب والفن. المقالح الذي يحافظ على حداثة وصفها النقاد بأنها (متوازنة) وصفا لاعتدالها، لا يضع محددات أوموانع إزاء التحديث، يدل على ذلك موقفه المؤازر لقصيدة النثر وشعرائها. لكنه ينظر كذلك باحترام عالٍ لروافد التراث الإنساني والعربي. وإذا كان المقالح أول شعراء الحداثة في اليمن ومن أول ناقدي الشعر الحديث ودارسيه والمدافعين عنه، فإن معرفته والعلاقة الأدبية والإنسانية به تسمح بالتعرف على أصالة الدوافع والمؤثرات التي كونت تجربته وشخصيته الإبداعية وأسلوبه، منذ بداياته حتى إصداراته الشعرية الأخيرة التي يمكن عدّها سيرة ذاتية شعرية واسترجاعاً لأمكنة الطفولة والنشأة والصداقة والمعرفة وإعادة تشكيلها شعرياً.. والتعرف على جانب التواضع الجم في سلوكه ونأيه عن المطامع والمطامح العابرة. تعيد القاهرة دينا للمقالح وتمحو واقعة مؤلمة بمنحه جائزة الشعر المستحقة، وبذلك تكافئ الكفاح الذاتي والانتصار على الظروف لخدمة الإنسانية بالكلمة التي أخلص لها المقالح في الشعر والثقافة والتعليم، ولم يتخذ سواها سبيلا.