عندما سقط نظام مبارك في الحادي عشر من فبراير فرحنا وتفاءلنا، وقلنا لأنفسنا لعل زمناً جديدا واعدا أقبل على مصر، كي ينقلها نقلة حضارية هائلة، فيدفعها إلى مصاف التقدم الذي كنا نحلم به، ولكن تداعيات مؤسفة حدثت. وبدل البدء بالدستور، وهو البدء المنطقي، اعوج الطريق عن تحقيق أحلام الثورة، ومضينا في طريق آخر، كان من نتائجه الارتباكات التي حدثت، وتدخلت قوى الشر بما يزرع الفتنة، فغاب مناخ التفاؤل، وحلت محله مشاعر الحيرة والخوف من المستقبل، وانفرط عقد الأمن والأمان. وكان لابد للشباب الثوري العظيم أن يحاول استعادة ثورته، ويستعيد قوة الدفع الثوري فيها ولكن سدى، فقد وقفت زبانية الشر له بالمرصاد، بعد أن سالت دماء الشباب والشابات فى ميدان التحرير وفتح أبواب الحرية لسجون زمن مبارك فخرج أعداء الحرية الفكرية للشباب. وبدل أن يحفظوا جميل تضحيات الشباب التى فرضت على الحكومات فى زمن ما بعد يناير الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين بعد استثناء، خرج المتطرفون دينيا ليهاجموا الشابات والشباب الذين جلبوا لهم الحرية، ومن ناحية موازية قامت قوات الردع الأمني وبنادق بعض أفراد القوات المسلحة بحصد الشباب الثائر، فيما بدا خطة منظّمة للقضاء عليه، وتكررت مذابح التحرير أمام ماسبيرو وشوارع مجلس الشعب ومحمد محمود ومنصور وغيرها، وأخيرا مقتلة بورسعيد. وطبيعي أن تخترق مظاهرات الشباب عناصر مأجورة من الداخل والخارج، تزيد المشهد دموية، وتتولى تشويه الهدف النبيل لمظاهرات الشباب التي تبدأ سلمية لكن سرعان ما يتدخل عملاء الشر، ويبثون الفتنة، وتخسر الأمة المزيد والمزيد من خيرة شباب أبنائها. وهكذا ضاعت بهجة الثورة وروح التفاؤل التي أثمرتها وحل محلهما خوف مبرر وقلق على المصير الذي تحجب شمسه غيوم قاتمة وسحائب سوداء. وفي هذا السياق جاءت انتخابات لا ينكر أحد نزاهتها الظاهرية، وكيف أن ملايين الشعب خرجت لتعبر عن رأيها، وجاءت النتيجة المتوقعة بحصول الإخوان المسلمين على الأغلبية، وهو أمر طبيعي، فجماعة الإخوان المسلمين ظلت هي القوة السياسية الوحيدة المنظمة في مصر، وهي تعمل منذ ثمانين عاما، ومتصلة بالشارع اتصالا وثيقا، فقد كانت مع الناس والفقراء في أزماتهم وكوارثهم، ولم يتوقفوا عن تقديم يد العون إلى الفقراء الذين احتاجوا إليهم، ووجدوا عندهم الرعاية الصحية المجانية والتعليم الخيري، والدعم الاجتماعي. ولذلك كان لابد أن ينجحوا ويحصلوا على الأغلبية. والحق أن مهارتهم هذه هي التي أدت بهم إلى البقاء وترويض نظام مبارك وعدم القطيعة الكاملة معه، ولولا ذلك ما سمح لهم نظام مبارك بالحصول على حوالى 20% من مجلس شعب سنة 2005، فقد ظلوا يعرفون متى يهادنون النظام الفاسد والتلاعب به، كما كانوا يدركون أنهم في حرب دائمة معه، لكن الحرب خدعة، وقد أكسبتهم حرب الأنظمة المعادية قبل الثورة قدرة على مناورة النظام السابق ومخادعته، وهو الأمر الذي رسّخ وجودهم في الحياة السياسية.