قدم أحد العاملين في مراكز رعاية الأحداث، مداخلة قبل يومين عبر “استديو واحد” من إذاعة أبوظبي، وأورد مشاهدات مؤلمة من واقع عمله حول شباب في عمر الزهور عصفت بهم رفقة السوء نحو مهالك الإدمان، وروى قصصا عن أحداث لم يتجاوز بعضهم الخامسة عشرة من عمره، وقد أصبحوا على دراية تامة بأنواع الحبوب المخدرة، وكيفية التحايل على رجال المكافحة، ودور بعض الأطباء في عيادات خاصة في مساعدتهم على تلك الأساليب لضمان شرائهم تلك الحبوب التي تضعهم على طريق الإدمان والانهيار، بكل ما تعني الكلمة من معنى. ترى رجلاً في عنفوان الشباب، وقد تحول إلى بقايا إنسان مسلوب الإرادة، خائر القوى منهك. وتجد من يزين له الماضي في طريق الخسران ذاك، وجر وسحب من يستطيع سحبهم معه من أقرانه نحو الهاوية. ويقدمون له من المغريات الكثير، حتى إذا وقعوا في الفخ، استغلوهم أبشع استغلال، ليدفعوا مبالغ طائلة مقابل ذلك السم الذي يتعاطونه، بعد أن كانوا يوفرونه لهم مجانا لزوم “طعم الفخ”.
وأمام هذه المشاهد والقصص المحزنة والمؤلمة، والأساليب الإجرامية والحيل الجهنمية لتجار السموم، يحز في نفس المرء الأحكام المخففة التي ينجح أمثال هؤلاء عند سقوطهم في قبضة العدالة من النفاذ بها، واستفادته من الثغرات التي ينفذون معها، بمساعدة نوعية من المحامين الذين لا يهمهم سوى قبض أتعابهم الكبيرة. فالذي أراد بشبابنا السوء وتقويض المجتمع واستهداف تقدمه واستقراره من خلال شبابه، يستحق تطبيق أقصى العقوبة التي ينص عليها القانون.
كما أن هناك بعداً آخر في التعامل مع الأحداث، عبرت عنه العديد من الجهات المعنية بقضايا المجتمع، وتتعلق بضرورة الفصل بين الأحداث والكبار في أماكن الاحتجاز، وكذلك تسريع النظر في قضاياهم بمعزل عن غيرهم، فبعض مناطق الدولة لا يوجد بها إصلاحيات. وقبل أيام جددت وزارة الشؤون الاجتماعية دعواتها إلى تسريع إجراءات النظر في قضايا الأحداث، وكذلك إيداعهم في المراكز التابعة لها، ريثما يتم النظر في قضاياهم وبعد الحكم فيها، كذلك في المراكز التي يتم إيداعهم فيها، والتي تمثل بيئة للاختلاط والاحتكاك بمجرمين بالغين، محكوم عليهم في قضايا كبيرة، تحقيقا للمسمى الذي تحرص عليه الدولة، بأن هذه المراكز منشآت للإصلاح والتهذيب، من أجل استعادة إنسان، وإعادة تأهيله لصالح المجتمع، لا جعله شخصا آخر ناقماً على مجتمع يعتقد أنه تخلى عنه في لحظة معينة. وقد رأينا البرامج الخاصة بتمكين العديد من هؤلاء من إكمال دراستهم وتأهيلهم مهنيا، ولكنها للأسف غير متاحة في جميع المنشآت.
التعامل مع الأحداث قضية حساسة، وتتطلب من الجميع، وفي المقدمة أجهزة وزارة الداخلية، تعاملا خاصا، وحشد الطاقات والإمكانيات للحد من ظاهرة جنوح الأحداث من جهة، فعلى الرغم من الجهود الكبيرة للوزارة والمبادرات النوعية التي تتبعها، وفي مقدمتها دور الشرطة المجتمعية والحملات التوعوية والتثقيفية لها بين فترة وأخرى، إلا أن حجم التحديات كبير للغاية، خاصة مع تنوع الأساليب المبتكرة التي نسمع بها يوما بعد ويلجأ لها تجار السموم تحديدا، للإيقاع بشباب ومراهقين صغار السن.



ali.alamodi@admedia.ae