في روايته “الضحك والنسيان”، يقول الكاتب لورفيك كونديرا التشيكي الأصل الفرنسي الجنسية، ساخرا “إنه المشهد الذي يتكرر عدة مرات في الأفلام الرديئة، إذ يمسك فتى يد فتاة، ويعدوان على الشاطئ ضاحكين، وكأن ضحكهما يقول للعالم ولجميع المتفرجين نحن سعيدان وفرحان بوجودنا، نحن متوافقان مع الوجود” و رغم غباوة المشهد - يفسر كونديرا - فهو يعبر عن موقف إنساني جوهري: الضحك الجاد «الضحك الذي يتجاوز المزاح».
هذا الضحك الذي يتجاوز المزاح هو تحديدا الضحك العميق الخالي من السخرية على الآخر، فالضحك الساخر من الآخر هو في حقيقته عنصرية مقيتة!.
كلام كونديرا جاء من معاناة سياسية تراكمت خلال سنوات الحكم الشيوعي لبلاده ومعاناته هو ككاتب يبحث في النصوص ويقاربها مع ما يحيطه، فيجد أن الضحك على ما يراه هو الحل الوحيد لاحتماله أو الاعتراض عليه، تماما كما يضحك الممثل في المسرحية أو المهرج في السيرك وهو يستخدم الضحك كوسيلة لمقاومة الخوف أو الموت أو الظلم أو الطغيان أو اليأس والفقر، الضحك يمكن أن يكون مقاوما جادا لكل متاعب الحياة وتحدياتها، لكن ماذا عن السخرية الأخرى ؟ السخرية المرادفة للعنصرية التي تعبر عنها بعض الظواهر التي تنتشر بين الناس بطريقة ملفتة وغير مفهومة وتحتاج إلى تفسيرات عميقة ؟
المعروف أن الناس حين لا يجرؤون على التعبير عن مواقفهم ونظرتهم العنصرية حيال الأشخاص والأفكار والثقافات بشكل واضح ومباشر، لان هذا النوع من التعبير يعتبر أمرا غير لائق اجتماعيا وغير مقبول ثقافيا، فانهم يلجؤون لأن تمرير تلك المواقف والقناعات بطريقة النكتة والسخرية، تماما كما في حالة مقاومة القمع مثلا تلك السخرية التي تنتشر بسرعة البرق وتقول كل ما نريد قوله بأقل قدر من الخسائر والمواجهات!
لقد انشغل المجتمع الإماراتي في الأيام القليلة الماضية وخاصة في فضائه الإلكتروني والإعلامي بظاهرة “الضو اللي مب طايع يلبق” وهي عبارة جاءت على لسان فتاة رفعت فيديو قصير على موقع اليوتيوب تعبر فيه عن حالة تعيشها في الصحراء مع صديقاتها بشكل لا يخلو من المرح لا أكثر، وسرعان ما تحول ذلك المشهد إلى ظاهرة عامة انشغل الجميع بالتعليق عليها والسخرية منها على اعتبار أن الفتاة ذكّرت الضو (وهي النار باللهجة الإماراتية الدارجة) ما قاد لانتشار الفيديو الأصلي ونسخ منه بكل اللهجات واللغات وبشكل جعل الجميع يتساءل عن السر؟
فما هو سر السخرية من (الضو اللي مب طايع يلبق)؟ ومن يقف خلف انتشار هذه المقاطع بكل هذه اللغات واللهجات ؟ من هو أو هم هؤلاء المهتمون بهذا الأمر إلى درجة الهوس الذي جعل انتشار جملة من أربع كلمات شبيها بانتشار النار في الهشيم؟
مناقشة الظاهرة أو الاهتمام بها قد تبدو مبالغة في نظر البعض، وقد تبدو اشتغالا بما لا يستحق الاشتغال به، وقد يراها البعض من الأمور اللافتة التي تحتاج تفسيرا اجتماعيا بعد أن تعدت النطاق الجغرافي والثقافي للمجتمع.


ayya-222@hotmail.com