كان للمنذر يومان يوم بؤس ويوم نعيم فإذا جاءه أحد في يوم نعيمه أغدق عليه العطاء وإن جاءه آخر في يوم بؤسه اشتد غضبه وأمر بقطع رأسه، وصدف أن جاءه إعرابي في يوم بؤسه يشكو إلى المنذر القلة فقد يبست الأرض وجف الضرع والزرع، تقدم من المنذر يطلب منه المساعدة لعله يحظى ببعض كرمه ويخفف عنه عناءه الشديد. ولما ألح الإعرابي بطلبه نادباً حظه أثار حفيظة المنذر فأبعده من مجلسه وأمر بقطع رأسه، لكن الأعرابي ارتمى على الأرض بين قدميه يرجوه أن يمهله شهراً يودع فيه زوجه وأولاده ويرى أمه التي تركها بين الحياة والموت، نظر المنذر إلى الأعرابي فأشفق عليه، وطلب منه أن يأتيه بمن يكفل عودته، تطلع الأعرابي إلى الجمع فلم يعرف منهم أحداً وكاد ينهار ولكن صوتاً خافتاً قطع الصمت قائلاً: أنا أكفله الصوت، إنه صوت امرئ القيس تقدم من المنذر حتى لا تضيع المروءة عند العرب أنا أكفل هذا الإعرابي وإن كنت لا أعرفه نظر المنذر إلى امرئ القيس وقال له: سأقطع رأسك إن لم يحضر في اليوم المحدد وهكذا عاد الإعرابي إلى أهله، وانقضت المدة المحددة ولم يحضر خلالها الأعرابي فطلب المنذر من حرسه إحضار امرئ القيس لينفذ فيه القصاص. وكانت الشمس على وشك الغروب لينتهي اليوم الموعود ولما هم السياف بقطع رأس امرئ القيس انبعثت من الوادي صرخة مجلجلة ليظهر خلف الغبار جواد يضرب الأرض بقدميه، إنه الأعرابي حضر في الوقت المناسب وخر بين قدمي امرئ القيس وأخذ يعتذر منه لتأخره عن الحضور لأسباب خارجة عن إرادته، هلل القوم فرحاً بنجاة صاحب المروءة وكانوا أكثر عجباً من الأعرابي الذي وفى بوعده، عندئذ اتجه المنذر نحو الأعرابي وخاطبه قائلاً: كيف جئت وقد حكمنا بقطع رأسك أجاب الأعرابي: هذا رأسي بين يديك جئت حتى لا يقال إن الوفاء انقطع عند العرب. بشار بن برد: ولابُدَّ من شَكــــْوَى إِلى ذي مُروءَة يُوَاسِيكَ أَوْ يُسْلِيكَ أو يَتَوَجَّع جمال مرسي: كَتَمْتُ بأعماقي غرامـــــــاً مُؤجَّجاً عَنِ اْلنَّاسِ كَيْلا يعلمُ الناسُ ما بيا فَبَاحَت بسِرِّ القلبِ دَقَـّاتُ عاشِقٍ وَعَيْنٌ تُــــــريقُ الدَّمْعَ كالدُّرِّ غاليا فما قيمةُ الإنسانِ دونَ مــــــروءةٍ ولا مــذهبٍ يُبقيهِ في الناسِ عاليا وما قيمةُ الدنيا إذا غـــابَ فَجْرُهَا وما الفجرُ إلا إنْ سَنَاهـــــَا بدا لِيا Esmaiel.Hasan@admedia.ae