نشأ الربيع العربي، ومعه أو مع بعضه نشأت كلمة حق يُراد بها باطل، لأن المصطفين الواقفين على أطراف أصابعهم، خلّفوا وراءهم الأوطان، وراحوا يهتفون بأحزان الماضي وأدرانه وأشجانه مغلفين كل ذلك باصطفاف مذهبي، والتفاف يتكئ على أرائك عتيقة غريقة في أوحال وأحوال مزرية، لا تخدم للود قضية، ولا تقدم للأوطان غير النوايا السوداوية.. البحرين اليوم، تعاني من هذا الوباء، وتقاسي من خطورة الداء، وتواجه موجة عارمة، من مشاعر دفينة تخبئ من الأدواء والأنواء والأرزاء، وما ساور بعض الأذهان من شعواء وعشواء صارت تغيم وتنجم، وتفاقم، وتراكم مركباتها النفسية على حساب الوطن، وضد سيادة البلد ومؤسساته ومكتسباته ومنجزاته الحضارية.. بعضهم وجد في الربيع العربي والتصفيق الغربي صهوة جامحة، تستحق الامتطاء والذهاب بعيداً حتى ولو غرق المركب وذهب الركاب إلى الجحيم، فهذا في أجندة البعض لا يهم، لأنهم يريدونها طريقاً باتجاه واحد، ورصيفاً واحداً، بزاوية حادة، لا تحتمل الانفراج إلا لطائفة أو ملة واحدة.. البعض قد تغص اللقمة في حلقه ويقول: إننا نذهب ضد التيار، لأن الريح ذاهبة إلى الربيع، ولكننا نراه في البحرين، يتجه نحو الصقيع إذا ما تمادى الطائفيون في التطواف حول دائرة مغلقة، معلقة بين السماء والأرض، وهم يريدون أن يتناولوا طرفها ليذهبوا بها إلى حيث تبدأ المعضلة وتتعقد المسألة، والحالة في أسوأ مرحلة.
الربيع العربي، المطلوب أن يكون مزهراً بورود الانتماء إلى الأرض لا إلى شيء آخر، وأن يكون مثمراً بالنوايا الحسنة لا لضغائن عجزت الجبال عن حملها وأن يكون مزدهراً، بقيم عربية إسلامية أصيلة، لا تتجه بوصلتها إلى هنا أو هناك، فتضيع الحسبة، وتغشى الغاشية الضمائر وما تخفي الصدور.. الربيع العربي المطلوب أن يفكر في البحرين كأرض، وسيادة، قبل أن يلتفت إلى الإملاءات وصدى ضرب الصدور ولطم الخدود.. الربيع العربي، المطلوب أن تتفتح أزهاره، لكل ألوان الفراشات وأشكالها، ويصير ربيعاً لكل الكائنات بلا استثناء أو إقصاء، أو إجلاء، الربيع العربي الذي تحتاجه البحرين هو حمايتها من الأيادي الخفية، التي تتسلل في الظلام، وتطلق خفافيش في عتمة الليل البهيم، لأجل اختطاف بلد يعود بتاريخه إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد.. الربيع العربي الذي تتوخاه البحرين هو أن يتخلص البعض من الانتماء الطائفي، ليذهب بعيداً لانتمائه إلى البحرين كوطن، تشترك فيه الجميع في الحقوق، كما يتشارك فيه الكل، في الواجبات وأهم الواجبات حمايته من نوايا الآخر المتلصص، والمتحفز للانقضاض إذا ما سنحت له الظروف.. الربيع العربي الذي تريده البحرين، هو التحرر من الحمل الكاذب، الذي عاشه البعض متوهماً أنه يحمل جنيناً أسطورياً، لا يوازيه ولا يحاذيه مخلوق على وجه الأرض، بصفاته وحسناته ومميزاته وبركاته، وطاقته الخارقة في تحقيق طموحات الإنسانية المعذبة.. هذا الجنين هو الطائفة.


marafea@emi.ae