“الناس اللي فوق”، حسب المعلومات التي مازالت عالقة بذهني، عنوان لمسرحية عرضت على التلفزيونات العربية منذ سنوات بعيدة، وأظن أن المؤلف نفسه “نعمان عاشور”، قد أردف هذه المسرحية بأخرى حملت العنوان المعاكس “الناس اللي تحت”، وفي بلد كمصر فإن لفظة الناس اللي فوق أو الناس اللي تحت تحيل حتماً إلى حالة طبقية في المقام الأول، وهي تحتمل أن تشير أيضاً إلى مستوى وظيفي أو بيروقراطي مثلاً، وكما في مصر فإنه في كل العالم هناك ناس فوق وناس تحت، مع اختلاف الامتيازات والمقدرات، ففي دولة كاليابان كلما ارتفعت في الطبقة الاجتماعية كلما زادت أعباؤك الأخلاقية، بينما يحدث العكس في دول أخرى، حيث لا حرج على الأعمى والأعرج والمريض، لكن يبدو أنه لا حرج على “اللي فوق” أيضاً!
تأملت ذلك الوزير الياباني - والمفترض أن يكون من الناس اللي فوق- الذي انحنى على طريقته اليابانية معتذراً للرأي العام أمام ممثلي الصحافة ووكالات الأنباء بعد انتشار خبر تسرب إشعاعات خطيرة من أحد المصانع المهمة، ومن ثم قدم استقالته آخذاً المسؤولية على عاتقه الشخصي؛ لأن المصنع يقع في نطاق صلاحيات وزارته، فكم وزيراً في بلادنا العربية اعتذر للرأي العام نتيجة أخطاء قاتلة حدثت في مناطق وأماكن عمل ضمن صلاحياته الوزارية ؟ لماذا يا ترى؟
حين تصبح المحاسبة أمراً واقعاً ومطبقاً على الناس المهمين، كما على الناس العاديين، يصير من واجب الوزير أن يتخلى عن سلطاته، حين يتسبب في خرق القوانين المتبعة في منطقته، تماماً كما فعل وزير مواصلات ألماني منذ فترة حين اضطر للتخلي عن رخصة القيادة الخاصة به بسبب تجاوزه قوانين القيادة والسرعة الزائدة، لقد كان الوزير (أوليفر فيتكيه) وزير المواصلات في منطقة شمال الراين يقود سيارته بسرعة 109 كيلومترات في الساعة ما اضطره لأن يعلن خطأه علانية، واعداً بأنه بعد انتهاء مدة توقيف رخصته سيتصرف بشكل يراعي القواعد وآداب الطريق، ثم نسأل لماذا هم متقدمون ومتحضرون؟ لا تسألوا لكن انظروا إلى ضوابط القوانين وعلى من تطبق!!
أحياناً يصاب بعضنا بلوثة الاستغراب والفضول، فيتساءل لماذا يدفع الموظف البسيط فاتورة التلفون وثمن البنزين، وأقساط السيارة، وفاتورة الماء والكهرباء، وغرامات المخالفات المرورية، وثمن وجباته التي يتناولها من كافيتيريا المؤسسة أو الشركة، فاذا كان لديه أولاد طار الراتب على مصاريف علاج الصغار ومدارسهم الخاصة وألعاب نهاية الأسبوع وهدايا نجاح وأعياد ميلاد و... وكل ذلك أمر طبيعي طالما اختار الموظف بإرادته ذلك، العجيب أن المدير يفعل كل هذه الممارسات، لكن لا يدفع درهماً واحداً، الشركة أو الوزارة هي من يتكفل بالدفع!! لماذا؟ لأنه من الناس المهمين اللي فوق! إجابة مقنعة!!
المسؤولون الأجانب أشخاص عاديون وليسوا من جنس الملائكة، إنهم مسؤولون كبار ومتنفذون ويرغبون في تجاوز العقوبة أياً كان مستواها إذا تمكنوا من التلاعب واستغلال نفوذهم، لكن مشكلة هؤلاء أنهم يعيشون في بلدان تحتكم للمؤسساتية والقانون، القانون هو الحاكم بأمره، حيث لا يسمح لأحد بالعبث معه أو به أو فيه، وهو موجود - أي القانون - لمصلحة الجميع، الناس اللي فوق والناس اللي تحت، لا فرق!


ayya-222@hotmail.com