استكمالا للحديث عن القروض السهلة، التي تعود عليها عامة الناس، والتي تعطي صاحبها شعوراً زائفاً بالثراء والقيمة، تتفشى ظاهرة خطيرة ناتجة عن هذه المتوالية اللامتناهية، وهي ظاهرة الاستهلاك، والشراء بسبب وبدون سبب، لأن الأموال موجودة والبنوك على بعد خطوة، هذا بالإضافة إلى العروض الاستهلاكية المستمرة على مدى العام وضغط الإعلانات التي تزين ظاهرة الاستهلاك وتقود إلى تعزيز هذه الثقافة، وكأن المستهلك محاصر من كل الجهات لتفريغ جيوبه حتى آخر درهم.
وسط هذه المغريات البنكية والاستهلاك الذي ينتشر في المجتمع بالعدوى مثل الإنفلونزا، لا يوجد أي محصنات للأجيال المقبلة التي اعتادت على الاستهلاك والصرف، تمنعها من السقوط في هذا الشرك الذي يستخدم كافة الأساليب لجره والتهام ما في جيوبه ليتواصل المسلسل الدرامي الحزين ولكن بأساليب جديدة وفكر أكثر تقدماً.
في اعتقادنا أن خط الدفاع الأول لتحقيق اختراق مهم لهذه السياسة الاستهلاكية التي يخطط لها خبراء متخصصون، هو البيت، الأب والأم أولا، وفي هذا الصدد دور الكثير من البيوت غائب لزرع قيمة “ القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود” وكذلك زرع قيمة أن الشراء للحاجة وليس ترفا، أو مباهاة أو لإزالة حالة الاكتئاب والقضاء على وقت الفراغ، هناك كثيرون يذهبون إلى المولات لتمضية الوقت والاستمتاع بالشراء، ولا يشعر هؤلاء بالرضا إلا إذا خرجوا وعرباتهم مليئة بمواد استهلاكية يحتاجونها ولا يحتاجونها، وهم في الغالب ينظرون إلى تلك السيدة الأجنبية التي اكتفت بشراء ثلاث حبات طماطم وموزة وتفاحة بكثير من الاستغراب والاستهجان! ونسوا أن الإسراف حرام.
البيت له دور أساسي في غرس قيم الإدخار في نفوس الأطفال، وفي السابق قبل استشراء عدوى الاستهلاك كانت الأسر تشتري لأطفالها حصالات للتوفير من المصروف، ويقدم الأب حوافز تشجيعية مثل أن يضع له في الحصالة مقابل كل درهم يوفره من مصروفه درهمين مثلا، أو يقدم له عرضا في نهاية العام الدراسي للسفر في رحلة سياحية للخارج إذا حقق ادخارا بقيمة ثلاثة آلاف درهم، أو سيدخله في دورة لدراسة لغة أجنبية واكتساب مهارة جديدة يضيفها لمهاراته، هناك العديد من الطرق التي نجعل فيها الأبناء يتجهون إلى سياسة الادخار، وهذه العروض لو أرادت الأسرة اليوم أن تطبقها،لابد أن يرافقها تغيير الآباء والأمهات عاداتهم الاستهلاكية التي فيها كثير من الإسراف حتى يكون هناك مصداقية، مع التأكيد على أن الإسراف حرام والمسرفين إخوان للشياطين.
والمدرسة أيضاً بعد البيت لها دور في محاربة عدوى الاستهلاك والإسراف خصوصاً أن المدرسين والمدرسات لهم تأثير كبير على فكر الطلبة، بالذات طلبة المراحل الابتدائية، هنا الغرس يكون مبشرا، وفي هذه السن يتلقى الطالب ويطبق، بالتأكيد سيكون هناك شواذ عنها ولكن قلة، وعلى الإعلام أن يدعم هذه الثقافة عسى أن نجد أنفسنا بعد عشر سنوات أمام جيل جديد محصن من الإصابة بعدوى الاستهلاك، يقدر قيمة الادخار ويحترم حكمة “ القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود“.


m.eisa@alittihad.ae