قررت السفر ذات مرة براً لقضاء إجازتي السنوية، وكنت غراً حديث العهد بالسفر براً وبالسياقة أيضاً، فبدأت أستشير ذوي الخبرة بالسفر براً، طالباً النصح في كل خطوات الرحلة التي تجاوز مسافتها الثلاثة آلاف كيلومتر، ولم يبخل أحد بالنصيحة، فواحد ينصح بالانطلاق منذ الفجر والسير نهاراً فللنهار عيون، وآخر يفضل السير ليلاً ففي الليل تطوى المسافات، ولا تسخن المركبة أو ترتفع حرارتها، ولكن النصيحة التي أجمع عليها، الجميع من ذوي الخبرة بالسفر، أنهم حذّروني من التوقف في الطريق لأي أحد مهما كانت الظروف، تحذيراً من أن يكون ذلك المتوقف أو المقطوع قاطع طريق، على الرغم من أن لا أحد منهم عاش تجربة شخصية من ذلك النوع، مما أشعرني بالخوف وراودتني نفسي بأن ألغي موضوع السفر براً من أساسه، خاصة أنني وحدي، ولكن حب المغامرة غلبني وحزمت أمتعتي وأمري متوكلاً على الله. وانطلقت مع خيوط الفجر الأولى، يقودني شوق إلى رؤية الأحبة، بعد فراق، ومضيت أقطع الصحارى الواسعة، لدرجة أحسست فيها بأنني أراوح في مكاني، وبدا شبح يغرق في السراب المتراقص أمام ناظري، وأخذت تتوضح ملامح لرجل واقف على جانب الطريق، ولم أشعر إلا والمركبة تتوقف أمامه، طالباً منه الصعود من هذه الشمس الحارقة، وكان خير رفيق على الطريق، فتذكرت قصة الخليفة المأمون حيث كان له جواد أصيل مميّز، رغب أحد زعماء القبائل في شرائه، فرفض المأمون بيعه. فقرّر ذاك الحصول عليه بالخداع، وكان يعلم أنّ المأمون معتاد أن يذهب إلى الغابة ممتطياً جواده، ذهب وتمدّد على الطريق، وتظاهر بأنه شحاذ مريض، ولا قوّة له على المشي، فترجّل المأمون عن حصانه، وقد أخذته الشفقة، وعرض عليه أن ينقله لتطبيبه، فساعده على ركوب الحصان قبله، فما كان منه إلا أن انطلق والمأمون يركض وراءه ويصيح به ليتوقّف، ولمّا أصبح على بعد كاف ليكون في أمان، توقّف ونظر إلى الوراء، فبادره المأمون بهذا القول: لقد استوليت على جوادي، لا بأس، إنّما أطلب منك معروفاً. -وما هو؟ - ألاّ تقول لأحد كيف حصلت على جوادي. ـ ولماذا ؟ - لأنه قد يوجد يوماً إنسان مريض حقاً ملقى على قارعة الطريق ويطلب المساعدة. فإذا انتشر خبر خدعتك، سيمرّ الناس بالمريض ولن يسعفوه خوفاً من أن يقعوا ضحية خداع مثلي! ابن الرومي: لا تحسب المعروف لا معنى له إلا نوافــل حمــده وثنــاه فلقد ترى المعروف يحسن عند من لم يصطنعه وحمده لسواه إسماعيل ديب | Esmaiel.Hasan@admedia.ae