ربما تابع الكثيرون منا اتصال مواطن ببرنامج “استديو1” من إذاعة أبوظبي، حول موقف وجد نفسه فيه بعد اشتباه إصابة بالسل لدى سائق كان قد استقدمه للعمل لديه وخدمته وخدمة أسرته. وكيف طلب منه إبقاء السائق لديه 50 يوماً ريثما يثبت قطعياً الإصابة، لعدم وجود أسرة في عنابر العزل الخاصة بمثل هذه الحالات.
واقعة استطاع صاحبها إيصال صوته من خلال وسيلة إعلامية، وليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، طالما يتواصل تدفق العمالة الأجنبية، وبالأخص من بيئات معروفة بتوطن الأمراض المعدية والوبائية في أفريقيا وآسيا. وهي تكشف استمرار وضع أشرنا إليه أكثر من مرة - عبر هذه الزاوية - ويتعلق بالطب الوقائي في أبوظبي، الذي يئن تحت وطأة الأعداد الكبيرة من المراجعين من مواطنين ومقيمين. وهو يتخذ مقراً له ذلك المبنى الذي لم يعد يستجيب للتعامل مع الزيادة السكانية التي شهدتها أبوظبي، بحيث أصبح المكان يشكل حالة رهاب وخوف من التقاط العدوى خاصة في القاعة المخصصة لفحص العمالة الوافدة، ويختلط فيها صحيح متعافٍ بمن لم يتحدد وضعه الصحي بعد.
فالمبنى متنوع المهام، إذ يقوم إلى جانب فحص العمالة المنزلية، بفحص المتقدمين لتجديد إقاماتهم من الوافدين، وكذلك تطعيم الراغبين في السفر إلى الحج والعمرة، وغيرهم من المسافرين نحو بلدان معروفة بانتشار أمراض وبائية ومعدية فيها كالحمى الشوكية والصفراء والتهاب السحايا، وغيرها من الأمراض. وكان حتى وقت قريب معني بتسجيل المواليد والوفيات، قبل أن تنقل الإدارة المعنية إلى مبنى آخر، لإفساح المجال لتوسعات في المبنى الحالي ما عادت تجدي نفعاً أمام تدفق المراجعين المتزايدة أعدادهم.
وهذه الواقعة تكشف كذلك طول الفترة التي تستغرقها عملية تأكيد حالة مصاب من عدمه، فالخمسون يوماً تعتبر طويلة جداً، بالنسبة لحالة اشتباه بمرض معدٍ، ينتشر عبر الهواء، ويمثل حامله خطراً على المجتمع ومن يخالطهم. ويمثل العامل أو الخادمة المصابة خطراً داهماً على أسرة كاملة مضطرة للإبقاء على الحالة خلال تلك الفترة. ويفترض أن منشآت الطب الوقائي تتوافر على أحدث الأجهزة والمعدات وأكثرها تطوراً لحسم الأمور، حتى وإن اضطرت إلى إرسال العينات للخارج، لا يستغرق الأمر مثل هذه المدة الطويلة.
كما أن الحالة التي نتحدث عنها تثير العديد من التساؤلات حول جدوى النظام الذي اعتمد مؤخراً، وهو يتيح إجراء الفحص المبدئي في البلدان الأصلية للعمالة التي يتم استقدامها. وهو نظام كان الهدف منه التخفيف على إدارات الطب الوقائي في الدولة، ومساعدتها في مواجهة الأعداد الكبيرة من العمالة المستقدمة، والحد قدر الإمكان من وصول الحالات المصابة أو المعدية، حتى وإن كانت في فترة احتضان المرض.
إن هذه الثغرات الخطيرة في نظام الطب الوقائي ومنشآته بحاجة إلى تحرك سريع يضع الأمور في نصابها الوقائي المطلوب. ودون ذلك، ستتزايد أعباء الجهات المتضررة من ظهور إصابات معدية في مجتمع سخرت الدولة كل الإمكانات والموارد لتحصينه، وحظيت الرعاية الصحية الأولية والطب الوقائي بأولوية مطلقة في برامجها. ما نأمله سرعة تفاعل “صحة أبوظبي” سواء الهيئة أو الشركة مع هذه القضايا التي لا تحتمل الحلول الترقيعية.


ali.alamodi@admedia.ae