ثمة تغلغل ما بين الشعر والرسم، أو ما بين الشعر والموسيقى، مثلما التناص في الكتابة حين يشيع تمازجه على القارئ، فتكتب القصة شعرا لتتمتع بصور البلاغية وتظل المنهجية سائدة، وتدخل أحيانا الخاطرة طرفاً حين تلم بالقصة والشعر معا، وفي ما مضى كان التاريخ يقر بتلك العلاقة النسبية ما بين الفنون المختلفة، تماما مثلما يحاكي الظل الضوء، ليخلق من الأشكال الفنية ما من شأنه يظهر التفاوت العجيب والمهم، وفي الشعر ترمز الصور البلاغية إلى التجسيد وتؤدي إلى رتم فني بليغ، وفي الفنون تظهر اللوحة تتابع الخطوط وسط فضاء الألوان، ويشبع الفنانون غزواتهم حين يرسمون لوحات فنية مقتبسة من أبيات شعرية. وفي الإمارات تميز الفنان الجميل والقدير محمد مندي وأظهر تميزا وابتكارا، عائدين إلى نظرية المعلم الأول أرسطو حين قال الفنون عامة لإمتاع الحواس، الصوت والنظر والصورة، فمحمد جسد من خلال لوحاته الشعر كلغة فنية، ورمز الصورة الشعرية بالصورة الفنية، وولج الصورة البلاغية باللوحة ليضفي عليها بعداً فلسفياً، ومن أعماله الرائدة في هذا المضمار لوحة تجسد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وقد رمزها بأشعاره، وأنجز على السياق نفسه عدة لوحات فنية أبهرت المتلقي، أيضا ردف الآيات القرآنية الكريمة بنسيج الصور التأملية الناطقة بالدلالات الإيمانية والفكرية، وتحيى بكثير من المقاربة بين النصوص والفن وتشعل لغة ثالثة وجوهرية للتخاطب. هذه الابتكارات تضيف على الفن أبعاداً أخرى وتعطي مرادفات حرة لخيال المبدع، فتمازج يستقي من حس الشاعر ومن تأمل الفنان، ويفضي إلى تراكم الأفكار المعبرة عن الصورة الإبداعية، فاحدهم ذهب بلوحة إلى تجسيد الشعر العربي، وزاوج ما بين أهم الأشعار العربية وجسدها من خلال لوحات جميلة تعمق الصورة الشعرية والفنية وتعطي المعنى رونقا جميلا. ولا ننسى بأن الموسيقى تلعب دورا هاما إذا ما تزاوجت مع الشعر، فإذا كان الشعر نفسه لديه من الإيحاءات ما لديه ومن التصوير ما يجسم المعنى، ولكن حين تصبح الموسيقى تغزل الدلالات الشعرية وترادف الظهور الشعري من خلال الإلغاء لا شك بأن الشعر يكسب جمالية من السحر، فالشاعر مظفر النواب مثلا يضع هذا الخط ماثلا في بعض أمسياته الشعرية، ويكسبها موروثا شعريا يسكن في مخيلة المتلقي، ولأن في ذلك تقاربا مهما ما بين الإيقاع الصوتي والشعري. أساليب العلاقة بين الأجناس الأدبية ومزجها أمام المتلقي بطريقة تقنية وفنية دائما ما تفصح عن جمالية وتشرع في الرقي، ويستعذبه الملأ ممن يتذوق التصورات الأدبية، ولكن تفتقد النسق ولا تحظى بالتفعيل الخصب، فالتجارب الفعلية غائبة عن الطرح المختلف للأجناس الأدبية، وتظل المنهجية السائدة هي المسيطرة لا تقدم فنون التميز وتظل تسبح في جمود وكأنها غير قادرة على المزج الحسي والذوقي، ولا هي تستشرف على القادم من التفعيل.