سوف يكتئب المحبون اللبنانيون يوم “الفالانتاين داي”. يكتئبون لأن السيدة لارا فابيان لن تغني لهم، كما كان مقررا، في كازينو لبنان على كتف بيروت. تابعت طيلة الأشهر الماضية معركة عنوانها لارا فابيان، شارك فيها متعهدو حفلات، وناشطون ثقافيون. لكن سرعان ما استدعت المعركة تدخل سياسيين وحزبيين وطوائف، وبطبيعة الحال وسائل إعلام، كل ينحاز إلى فريق. المعركة نشأت بسبب تنظيم بعض النشطاء حملة تحت عنوان “مقاطعة داعمي اسرائيل”، ومنهم المغنية الكندية لارا فابيان، التي تكن محبة خاصة لاسرائيل، وتغنت باللغة العبرية بقصيدة لشاعرة اسرائيلية عنوانها “شجرة الكينا” تحكي تاريخ الاستيطان قبل احتلال فلسطين من عام 1913 حتى العام 1963. جماعة المغنية الكندية اعتبروا نشاط الحملة ضدها تحريضا على القتل. أعضاء الحملة قالوا إن جل ما فعلوه هو الدعوة بكل الوسائل إلى مقاطعة الحفل المزمع إقامته، وتبيان مخالفة استقبال المغنية العاشقة لإسرائيل لأحكام القانون اللبناني. في سياق المعركة تستوقف المتابع مجموعة من الآراء والحجج، أدلى بها أشخاص اعتباريون، تدرج انتقادات حملة “مقاطعة داعمي اسرائيل” تحت يافطة “وجهة نظر”. أن تتقبل ثقافة عدوك، وترحب برموزها، وتتذوق انتاجها، هو وجهة نظر.. أن تتجاوز أنهار الدماء المسفوحة، الطازجة بعد، لكي تقيم جسور المحبة مع القتلة، هو وجهة نظر.. أن تعني “ثقافة الحياة” التي يروجون لها، التخلي عن مقومات الانتماء الوطني والهوية، هو وجهة نظر.. لكنه ليس وجهة نظر ذلك الوصف الذي أطلقه سياسي شاب على رافضي استقبال المغنية الكندية. قال إنهم “متحجرون”. حكم مطلق يرد المخالفين بالرأي إلى العصور الحجرية. ينزع منهم معالم الحضارة، ولمحات المدنية، لأنهم ليسوا منفتحين كفاية لتقبل الآخر. لم ينتبه السياسي المتفتّح إلى إن فنانين عالميين مثل البريطاني روجر ووترز، ومواطنه ألفيس كاستيللو، وفرقة “غوريلاز”، قد اقتنعوا بما قدمته لهم حملات مقاطعة فلسطينية في الأراضي المحتلة، من حجج وبراهين، فألغوا على أثرها حفلات كانت مقررة لهم في تل أبيب. فهل نصم هؤلاء بالتحجر، لأنهم انساقوا وراء دعوات المقاطعة؟ وفق أدبيات هؤلاء المنفتحين، فقد كان الأميركيون والفرنسيون متحجرين قبل سنوات، عندما ثار خلاف بينهم عشية الحرب على العراق. ليس بين هؤلاء وأولئك على ضفتي الأطلسي، عداوات وحروب عمرها عشرات السنين. يومها ضجّت الأوساط الثقافية الفرنسية بحملات ناشطة لرفض ثقافات الأنحلو ـ ساكسونية، على خلفيات سياسية. وفي المقابل، دعا أميركيون إلى مقاطعة الفرنسيين، وطالب بعضهم بابتداع تسمية جديدة للبطاطا المقلية لأن اسمها بالإنجليزية يعطيها نسبا فرنسيا: French fries. هل كان الفرنسيون والأميركيون، يومها، ينتمون إلى العصور الحجرية؟ هل يتذكر محبو “ثقافة الحياة” تلك الحملات الاستعدائية التي كانت تشنّها أجهزة اسرائيلية، ضد رموز فنية أوروبية ناصرت الفلسطينيين وقضيتهم، مثل الممثلة البريطانية فانيسا ردغريف؟ ومن أسف إن طرفي المعركة حول لارا فابيان، تقاتلا على أسوأ ما عندهم. فهذه المغنية الكندية مصنّفة بين مغني (البوب) الأكثر إسفافا. تغني صاحبة أغنية “عارية” لجمهور تأسره التأوهات والإنحناءات. حضورها ليس مكسبا، وغيابها ليس خسارة.. بشارة: لن يكتئب العشاق هذا العام، فإحدى الفضائيات غير المتحجرة، قررت نقل حفلة للارا فابيان مباشرة من باريس، ليلة الفالانتاين.. وجهة نظر... عادل علي adelk58@hotmail.com