«كيف تكسب المال بأقل مجهود» و«كيف تكون ثرياً في ثلاثة أشهر» و«كيف تكون مليونيراً بدون رأسمال» و«كيف تتعلم الفرنسية بدون معلم» أو حتى الهيروغليفية مثلاً.. هذه بعض مقاربات لعناوين كتب ملأت المكتبات العربية في فترة من الفترات ووجدت جمهوراً عريضاً صدق العناوين وانساق لشرائها ممتلئاً بأمل تحقيق وعود العناوين قبل أن يكتشف الخدعة الكبيرة أو الشرك الذي نصبه المؤلف ليحصل على المال دون مجهود بينما لم يحصل القارئ سوى على السراب، ومع ذلك أتمنى اليوم على أحد عباقرة هذا النوع من الكتب لو يؤلف لنا كتاباً تحت عنوان : كيف تتخلص من الطاغية بأقل قدر من الدماء ؟
إن الأمر يكاد يكون قاتلا حد العور بأن نصل سكين ينغرس في قلبك ويذهب عميقاً، وأنت تطالع نشرات الأخبار العربية أو تلك القنوات الإخبارية المتخصصة التي تعيد عرض الصورة أمام عينيك طوال النهار، حتى تشعر بأن الدماء ستنهمر من أطراف جهاز التلفزيون، فتغلقه فراراً من هذا المشهد، يا الله لقد تعبت أرواحنا من مشاهدة الدماء، الجثث، الشهداء، والموت المجاني المتطاير عبر هواء العالم وذبذباته، منذ عشر سنوات ونحن لا عمل لنا سوى متابعة خيط الدم الذي لانهاية له كمحقق سقط في قبضة قاتل متسلسل مجنون لا أمل في القبض عليه أو إنهاء جرائمه.
من هذا الذي يمكنه منحنا هذه الوصفة السحرية “كيف نتخلص من الطاغية من دون دماء” ؟ وبما أن السؤال صعب كالمستحيل ، فلابد من عكسه أو قلبه أو تدوير زاويته فيصير السؤال كيف نحصن دماءنا ضد الطغيان ؟ وعلى طريقة تدوير الزوايا كما في السياسة يصير السؤال: ما الطريقة المثالية لمنع وجود الطاغية؟ لأننا حين نمنع وجود الطاغية ونمو الطغيان نضمن بشكل نهائي عدم إراقة قطرة دم واحدة ؟ ماذا يعني ذلك ؟ ذلك يعني أن الناس هي من تصنع الطاغية وتتسامح في نمو الطغيان ؟ فالطاغية لا يهبط من السماء ولا يتأسس من الفراغ !!
حين ثار الليبيون، مازلنا نتذكر تلك المسيرات في شوارع بنغازي، كل الخارجين كانوا شباباً في أول أعمارهم، بينما هناك في تونس صرخ ذلك الكهل ماسحاً على بياض شعره تلك الصرخة المدوية :”لقد هرمنا، هرمنا بانتظار هذه اللحظة التاريخية..” ولكي لا يهرموا في ظل الطغيان وتنتهي أحلامهم غرقى في الطين أو مياه المتوسط خرج الشباب كاسرين في دواخلهم الخوف من الطاغية، والخوف من السجون والخوف من الخوف أولا.
ذلك أول الغيث، أو المعادلة، ذلك أول الحرف لمن يريد أن يكتب لنا كتابا حقيقيا حول الخلاص من الطغيان والطاغية ، كتاب يتكئ على مخزون الوعي لدى الإنسان أو يوقظه، والطغيان ليس الحاكم فقط، الطغيان هو كل ما ومن يتجاوز حقوق الناس، ويجعل حياتهم مرهونة لمغامراته وجنون العظمة لديه، الطغيان هو كل ما ومن لا يعترف بالآخرين وبحق الحياة الكريمة لهم، الطغيان هو ما ومن لا يرى سوى نفسه وكل معا عداه يظل متوارياً وراء ظله ذاته المتضخمة، الطغيان فساد للحياة وللأحياء ولابد من التخلص منه، لكن الدماء عزيزة على الله فكيف نتخلص من الطغيان دون إراقة دماء ؟ أو دون إراقة هذا القدر المرعب من الدماء ؟


ayya-222@hotmail.com