أمضيت ساعات في منشآت مدرسة الإمارات لتعليم قيادة السيارات، بمقرها الكائن بمنطقة المصفح في أبوظبي. المدرسة وفكرتها والغاية منها سليمة ونبيلة، وهي تعمل على تخريج أجيال من السائقين، يتمتعون بالكفاءة العالية والوعي المروري والسلوك الحضاري، الذي يؤكد أن “القيادة فن وأخلاق”، و “القيادة أمان”. وتضم المدرسة من الأجهزة والمعدات والمسارات والقاعات والممرات ووسائل المحاكاة ما يساعدها على أداء رسالتها بالصورة المطلوبة. ولكن بعد كل هذه السنوات من العمل بهذا الأسلوب العصري لمنح رخص القيادة، يبرز التساؤل المتعلق بالنتيجة المتوقعة من تخريج نوعية من السائقين، تتمتع بالحد الأدنى من الوعي المروري الذي يساعد في الحد والتقليل من النزيف الدامي، والحوادث التي تشهدها طرقاتنا وشوارعنا الداخلية منها والخارجية.
والواقع أن نظرة غالبية المتقدمين للحصول على رخص قيادة من مدرسة تعليم القيادة، لا تختلف كثيراً عن أولئك الذين ينظرون للشهادة العلمية على أنها مجرد جواز مرور لمرحلة تالية لنيل وظيفة ما، وبعد ذلك لا يستوعب صاحبها مما تعلم شيئاً. والدليل ما نتابع من ارتفاع إحصائيات الحوادث المرورية وما ينجم عنها، حتى وإن أقنعنا أنفسنا بأن الوفيات الناجمة عنها تسجل تراجعاً. فللحوادث أبعاد أخرى تشمل الإصابات، ومنها إصابات خطيرة تنجم عنها إعاقات حركية وغيرها، ناهيك عن الخسائر المادية وهدر الوقت الذي لا يقدر بثمن. وسجلات شركات التأمين أكثر حصراً لهذا الجانب الذي يعنيها قبل غيرها.
ومن متابعاتي في تلك المدرسة أن الغالبية العظمى من المتقدمين للحصول على رخص القيادة هم من العمالة الآسيوية الهامشية، والتي لم تصب أي قدر من التعليم. ويمثل الحصول على رخصة قيادة فرصة للحصول على وظيفة جديدة. بينما يفترض بنا دراسة ما يعنيه ذلك من زيادة في أعداد السيارات المسجلة، وضغط إضافي على حركة المرور في الطرق التي تشهد ضغطاً وازدحاماً وتكدساً. والتي لن تجدي معها توسعات الشوارع مهما كانت كبيرة، طالما استمر تدفق أعداد السيارات والمركبات وترخيص السائقين بالوتيرة المتصاعدة التي نشهدها اليوم.
وأعتقد أن الوقت قد حان لتتناغم كل جهود جهات الاختصاص المعنية بالمرور والترخيص للسيارات والسائقين ومكافحة التلوث بوضع ضوابط لترخيص السائقين، كاشتراط حد أدنى من التعليم، كاتمام المرحلة الثانوية أو شغل مهن محددة من أجل التصريح لها بالقيادة، أو امتلاك سيارة. لأن تركيز الجهد على توسعة الشوارع والطرقات وتكثيف الحملات التوعوية في المناسبات لم يحقق النتائج التي تراهن عليها إدارات المرور، رغم الجهد الخارق والاستثنائي الذي تقوم به. إلا أن الواقع يشير إلى أن رسالتها في واد، وتصرفات الفئات التي تستهدفهم في واد آخر.
وعندما ندعو لمراجعة اشتراطات الترخيص للسائقين والمركبات، فهو لسبر أساليب جديدة تتناغم وتتكامل مع الخطط والاستراتيجيات الأخرى الموضوعة لخدمة الهدف الأسمى لوزارة الداخلية وإدارات المرور التابعة لها بجعل شوارعنا أكثر أمناً وأقل حوادث، وتحقيق الاستراتيجية الصفرية للوزارة. وما ندعو إليه من تنظيم وتقييد في الترخيص، يطبق في العديد من الدول الأوروربية والولايات المتحدة واليابان. لأن الإجراء يمثل جزءاً من إجراءات أوسع وأشمل تتعلق بالسلامة المرورية العامة لما فيه صالح المجتمع بأسره.


ali.alamodi@admedia.ae