مشكلتنا الأولى والمهمة في العالم العربي، هي أننا لا نصادر الرأي فقط لكننا نجتهد في منع حصول الجمهور على المعلومة الصحيحة، بحسب تعبير الصحفي محمد حسنين هيكل، وهذا هو السبب الأول والمباشر الذي، جعلنا - ولا يزال - مجتمعات تحتكم إلى نظرية المؤامرة في تفسيرها للأحداث وتحليلها للظواهر ولمجريات الأمور، ليس هناك مؤامرة من فراغ قائمة على وهم أن الجميع يريدون القضاء علينا لأننا عرب أو لأننا مسلمون، هذا تفكير طفولي لايزال هناك من يروج له ويقف عنده منذ قرون للأسف!!
هناك من يريد أن يتحكم في ثرواتنا، لأن العالم قائم على تجاذبات الثروة ومنابع الطاقة، هناك من يريد أن يضمن مصالحه وتشغيل مصانعه وصناعاته ومجتمعاته، وهناك مناطق كتب عليها أن تمتلك أسرار التشغيل والحركة، والمعادلة هي المصالح في مقابل البقاء، ولذلك فإن الحروب التي تخوضها الدول الكبرى ضد هذه المنطقة لايجوز أبداً شرحها للناس وفق نظرية المؤامرة، فذلك تسطيح لمجريات الأمور وركون للأوهام، وهو في نفس الوقت حرف للذهن عن مواجهة الحقيقة والاستعداد لاشتراطاتها، وبالتالي العجز عن تغيير شروط اللعبة أو على الأقل التحكم فيها!
ماهي خطورة هذا التفكير الاستسلامي القائل بنظرية المؤامرة المجردة على أساس الدين والانتماء؟ الخطورة تكمن في الإيمان بمنطق الضعف بينما الهزيمة وسيطرة الآخرين والاستعمار ليست أقداراً محتومة بقدر ماهي أوهام استقرت فينا، لأن هناك من يهمه أن نستسلم لها بلا مقاومة أو تصد، وهذا يوافق نظرية الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي القائلة “إن الاستعمار استعداد لدى الشعوب المهزومة داخلياً، وإن المستعمر الأوروبي حين ترك بلداننا ترك في داخلنا استعداداً مطلقاً للاستعمار”!
ظل كثيرون يصدقون أن الغرب والولايات المتحدة شنوا حربهم على العراق عام 2003 بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل، حماية للغرب وللحضارة، كان يجب يومها والحديث مفتوح على جهاته الأربع أن تقال كل الحقائق، لكن ما أشيع يومها ومازلت أتذكره، هو أن هذه المعركة جزء من مخطط صهيوني للانتقام من العراق التي سبى ملك بابل فيها منذ قرون اليهود واستعبدهم فيما عرف في التاريخ بالسبي البابلي! بينما الحقيقة هي ما صرح بها مسؤول أميركي قبل أيام على الـ«سي ان ان» حين قال “لم نذهب للعراق بحثاً عن أسلحة دمار، ذهبنا لحماية أنبوب البترول الذي فتحه صدام على آخره ليبيعه لفرنسا وروسيا ودول أميركا اللاتينية، منطق العرض والطلب كان في مصلحته، وكان يمتلك ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم فهل نتركه يخرب السوق والأسعار ومعادلات القوة، لقد تدخلت قوة الشركات الكبرى العملاقة لتعيد دورة التوازن لمصلحتنا!!
اليوم لا تقف روسيا إلى جانب الأسد لأنها تحبه أو لأنها تجني شيئاً من ورائه، لكن لأن سوريا وبحسب توازنات معقدة غير مسموح بأن تتحول إلى دولة سنية تحت حكم المتدينين، ذلك سيخلخل اللعبة الإقليمية وسيضرب أحد أهم أطرافها في مقتل (إيران)، ولذلك تقف أميركا منتظرة - وليست عاجزة أو متفرجة -، حتى يصاب أحد الأطراف بالتعب ويسقط من تلقاء نفسه، هناك معادلات كبرى ومصالح عظمى أكبر من مقتل ألف شخص أو هزيمة نظام، نحن لا نقرأ المشهد لأننا لا نملك المفاتيح الصحيحة!


ayya-222@hotmail.com