في مواجهة حقيقية حملت كل ما يقال وسيقال عن الاختلافات بين الأجيال، كنت شاهدة على حوار استهزأ فيه أحد المثقفين على ما ذكره ناشر إماراتي حول تمكنه من الترويج لكتاب إماراتيين -ذكر أسماء بعضهم- عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدامه لعوامل الجذب المعاصرة في الأغلفة، والعناوين، وتحقيقه لمبيعات عالية، لكتبهم في وقت يقول فيه الجميع إن الكتب تعاني كسادا، ولا أحد يقرأ. كان رد (المثقف) المغلف بالاستخفاف في مواجهة الأرقام التي أقرها الناشر تأكيدا لنجاحه: أنا لم أسمع ولم أقرأ عن أي من هذه الأسماء.
أرادها استخفافاً بمنتج وجد إقبالاً، وحضوراً بين القراء الجدد من الشباب، فأثبت جهلا وتعاليا لا يليق بمثقف؛ أرادها استهزاءً بواقع القراءة فأكد على الفجوة الكبيرة التي يعيشها الكثيرون أمثاله من المثقفين عن المحيط حولهم؛ أرادها تهميشاً لعدد المقبلين على هذا المنتج رغم أنه دلالة أكيدة على الإقبال على القراءة، فأثبت النظرة القاصرة، والأنانية التي يعانيها، أرادها سخرية بآخرين يشقون طريقهم في عالم الإبداع، فأثبت أنه يمكن أن يكون أي شيء إلا أن يكون مثقفاً. المثقف الحقيقي هو ذلك الشخص القادر على استيعاب الآخرين باختلافاتهم، والقادر على إيجاد نقاط النور حتى في أحلك الظروف، والمتمكن من استيعاب أدوات العصر الذي يعيشه حتى لو لم يستخدمها.
ليس ببعيد عن هذا المشهد، وإنما إمعانا فيه، تتكرر ذات الرؤى والانطباعات والاتهامات التي تُوجه للشباب؛ فهم فيما يفعلون ويبدعون يعانون ضحالة فكرية؛ أدواتهم رديئة، وإبداعهم غير مكتمل، عديمو الخيال ويفتقدون للعمق! هكذا يتم التعامل مع أي جماهيرية واستحسان يلقاه الشباب وبالتالي لا يتم التعاطي مع نجاحهم على أنه واقع، يفرض نوعا جديدا، من التحدي، ويذهب بهم للتنافس المطلوب لخلق بيئة فاعلة، لإنتاج أرقى؛ وهكذا يتم الاستخفاف بالجمهور الجديد وبذائقته.
إن اختلاف الأدوات من جيل لآخر، لا يدلل بأي حال من الأحوال على النتيجة التي سيصلون إليها بقدر ما تعتمد النتيجة على المعطى المستخدم في هذه الأداة وبالتالي في وصوله للآخر. وبقدر ما يشعر هؤلاء الشباب بواقعهم سيتعاملون بأدواتهم، وبلغتهم وفي المساحات التي يرغبونها سيتمكنون من الإمساك بالمستقبل، وسينجحون فيه من ابتكار أفراحهم التي ستدهشهم، سيعرفون طريقهم بأدواتهم ومصابيحهم الخاصة؛ قد نتفق أو نختلف في تقبلنا لتلك الأدوات، أو في عمق محتواها، ولكنها ستبقى واقعا يفرضونه بما يملكون من قناعة شبه عقائدية بأنهم يملكون زمام أمرهم.
بالفعل هم يملكون زمام أمرهم، ولذلك ذهب ذلك الشاب الناشر مزهواً بمنجزه وبأهدافه وخطته المحددة زمنيا بأرقام وتواريخ عرضها أمامنا، فيما يبقى الآخرون يتحسرون على الواقع الذي لم يعد يشبههم.


als.almenhaly@admedia.ae