نحن الوحيدون الذين نطلق صفات مطلقة على الأشياء دون حذر ودون تردد أو تفكير، لست في مجال عقد مقارنات بين الشعوب والاثنيات، ولا تتملكني عقدة الدونية تجاه الحضارات الأخرى، مؤمنة بأننا أمة عظيمة عاشت أزهى عصر يمكن أن تحلم به أي أمة في الماضي أو الحاضر، وبأن دورنا الحضاري متوقف حتى إشعار آخر، لأسباب لا علاقة لها بديننا ولا بلغتنا ولا بجغرافيتنا، نحن توقفنا حضارياً عن المساهمة والإبداع، لأننا قررنا ذلك على المستوى الجمعي أو بشكل آخر للعبارة، لقد توقف دورنا يوم تبنينا اهتمامات أخرى وأدواراً أخرى لا علاقة لها بالإبداع الحضاري، ولأننا حجزنا تذكرة في آخر العربات المنطلقة للمستقبل، فوصل الجميع، بينما لا يزال كثير من العرب يتأرجح في عربة الأمس!
فيما يتعلق بالتعميم وإطلاق الصفات المطلقة على منتجات الحضارة، فإن هذه واحدة من سماتنا التي لا بد من مراجعتها، فالاندفاع والإعجاب والانبهار، تجعلنا نصنف الأشياء على أنها رائعة وممتعة وفائقة التأثير أو سيئة وضارة ومبتذلة ومفسدة و... الخ، لا صفة جاءت نتيجة دراسة أو بحث أو ملاحظة علمية دقيقة وطويلة، البارحة أرسل لي أحدهم رابطاً أثار ابتسامي على طريقة تحليل المحاضر وربطه واستنتاجاته، فهل يصح أن نطلق صفة التافه مثلاً لأن شخصاً اختار أن يضع لحن أغنية «رنة» لهاتفه النقال؟ وهل يصح أن نقول بالمطلق إن هذا الشخص رجل بكل صفات ومعاني الرجولة فقط لأن «رنة» موبايله جامدة ومتجهمة؟ هل يصح ابتداء هذه المقاربة (المرء مخبوء في رنة موبايله) على أساس أن المرء مخبوء تحت لسانه؟
حين بدأ موقع التواصل الاجتماعي الشهير “تويتر” يغزو كمبيوترات الطلبة والشباب في عام 2009، لم يتحمس له عدد كبير من الناس بسبب اللغة، لكن حين تحول إلى اللغة العربية، أصبح مهوى الأفئدة ومثار الأحاديث ومتنفس المجتمع وحارة اللهو ومجلس اللقيا، وأحياناً صار أكثر من ذلك، حتى وصل الأمر أن معظم نخب المجتمع قد حجزت أماكنها فيه وفتحت مجالسها وطرحت ما في جعبتها وصار الكل يتابع ويتتبع الكل، وحين تفتقد فلاناً، فهذا يعني أنه غير موجود على تويتر، صار المجتمع كله عصافير زرقاء بعضها بمناقير صغيرة، والبعض الآخر نمت له مخالب في غفلة من الزمن، فصار كطير جارح تساقط كثير من الجرحى عبر ساحات تويتر بسببه، فآثر كثيرون السلامة ويمموا صوب سماوات أخرى في الفضاء الإلكتروني الواسع!
اليوم صار من كان مغرماً بـ «تويتر» يشتمه، ويطلق عليه تلك الصفات السلبية التي تنبئ عن تحول ذهني في الموقف والتعاطف مع من كانوا بالأمس يعتبرونه فتحاً مبيناً في دنيا الإعلام وحرية الرأي، وهذا يؤكد ما قاله الشاعر العربي (عمرو بن كلثوم)، واصفاً قبيلته (ونحن أناس لا توسط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبر)، هكذا دون سبب أو مسبب، فالإعلام الاجتماعي الجديد كان في لحظة تاريخية سابقة مفجر الثورات وأحد عوامل التغيير المؤثرة، وفي لحظة أخرى لا يذكر هذا الإعلام إلا باعتباره مرادفاً للتفاهة وإثارة الإشاعات والفوضى، وبدل أن يكون دافعاً لكسب حريات أكثر، تحول إلى وسيلة قمع بيد السلطات حسب البعض!
نتفنن في إطلاق الصفات السلبية ونندفع كثيراً وعاطفياً في مسألتي التأييد والمعارضة، ولا وسط بينهما، لكن متى نرتكز على الدراسات والنتائج والتحاليل والأرقام والمنطق ؟ تلك حكاية أخرى.



ayya-222@hotmail.com