في طقس شتوي، كما هو متعارف عليه عندنا، حيث فصول السنة بلا ملامح، وما نعرفه منها فصلي الشتاء والصيف اللذين يحملان مجمل تفاصيل الحياة، في هذا الطقس الرائع بالنسبة لنا وللمقيمين وللكثيرين من سكان قارات الثلج الذين تعودوا قضاء هذا الفصل هنا، بعيداً عن الصقيع، مستمتعين بمشاهدة الغيوم والقمر والبحر والشمس الدافئة ورحابة الناس.. في هذا الطقس جلست امرأة ثلاثينية على كرسيها في إحدى تلك المساءات الرائعة بين الشجيرات التي تُرقص نسمات الهواء الباردة أوراقها، وحيث يتقافز الأطفال على العشب، ويمرحون باللعب في الألعاب المخصصة لهم في الحديقة، وضعت الثلاثينية رضيعها في حضنها، وبالقرب منها، ومن الرضيع وضعت “الأرجيلة”، حيث الجمر الأحمر يشعل التبغ، وبكل أريحية واستمتاع، أخذت تسحب الدخان إلى أحشائها وتنفثه في فضاء الحديقة، وفي الوقت نفسه كانت تضع الرضاعة في فم رضيعها الذي لا يملك قرار عدم استنشاق هذا الدخان الذي تنفثه المرأة الأم التي من المفترض أن يأخذ الرضيع الحنان والامان والرعاية منها. والمشهد ذاته في موقع قريب جداً من تلك الثلاثينية، تجلس أسرة بينها طفل رضيع آخر في عربته، وثلاثة “شيش” مشتعلة، وبين هذه وذاك، بين “شيش وأراجيل”، يُنفث الدخان، ويلعب الأطفال في دخان الحديقة. هذا ليس مقطعاً من رواية أو قصة قصيرة أو سيناريو فيلم، إنه ليس من نسج الخيال، بل من حكايات الواقع التي تحدث يومياً، ونراها أحياناً أو نغض الطرف عن رؤيتها، ونمضي فيما نعتقده أكثر أهمية في حياتنا، وهو الشأن الشخصي الذي يتقوقع فيه الكثيرون، وفيما هم يمضون من دون أي فعل، تكون حياة ما تتحطم. تتشكل الثقافة من سلوك ومنهج في التعاطي مع الحياة، وليس مجرد معرفة في الأدب، وغيره، وتكديس معلومات أو حفظ أبيات من الشعر، والتباهي بقراءة كتب كثيرة؛ فهذه الأمور من المفترض أن تذهب عميقاً في الداخل، وينتج عنها فعل إنساني جمالي عالٍ، وليس ثرثرة واستعراضات سطحية.. حيث التعاطي مع الحياة وممارسة الأفعال فيها يحتاج إلى وعي بقيمة الانسان أولاً، وأهميته في الذهاب بحياتنا إلى السلام والجمال، وعندما يغيب هذا الفهم الأساسي للتعاطي مع الحياة فإن من الطبيعي أن يكون مشهد الثلاثينية والدخان المتناثر في الحديقة، حيث يلعب الأطفال، مشهداً طبيعياً.. من الطبيعي أن يضرب الكثيرون من رواد الحدائق بكل قوانين الحدائق في الحائط، ذلك لأن الفرد المتعاطي لتلك الخدمات تكون علاقته بالقانون هي من منطلق الخوف وليس من ثقافة احترام القانون، لذا لزم الرقابة والمتابعة لتلك المواقع لوقف تلك الانتهكات لحقوق الطفل أولاً، والمكان والطبيعة ثانياً. وذلك ليس ضد ثقافة الحقوق الشخصية للأفراد سواء في التدخين، وغيره من سلوكيات شخصية؛ للجميع حقه فيما يختار لنفسه كيف يحقق متعته ويرضي مزاجه، ولكن ذلك مع احترام الآخر بألا يتحول هذا الإشباع إلى اعتداء على الآخر، سواء قولاً أو فعلاً. saad.alhabshi@admedia.ae