للموشحات تنويعات خصبة، في الإيقاعات والدلالات والأبنية التركيبية، وأحسب أنها قد التقطت من الفنون القولية والموسيقية الشعبية ما شاع استخدامه في الحياة الأندلسية فارتكزت عليه بسلاسة وتلقائية، ولا يقتصر أمر هذه التنويعات على مجرد التلاعب اللفظي كما قد يبدو للوهلة الأولى، بل يدخل في نطاق التوزيع الأدائي بين منشد رئيس وجوقة ترد عليه، مثلما نجد عند ابن زهر الحفيد في قوله: “قلبي من الحب غير صاح/ صاح وإن لاحني على الملاح/ لاح وإنما بغية اقتراحي/ راحي وإن درى قصتي وشاني/ شاني” وتتمثل لعبة التذييل هذه في تكرار الجزء الأخير من كلمة بدلالة مغايرة يساق لها التركيب كله، فإذا كان قلبه لا يصحو من سكرة الحب فهو يخاطب بذلك صاحبه بالنداء الشهير “صاح”، وإذ لامه على عشق الملاح “لاح” أي لائم، فغاية اقتراحه هي “راحة” وهكذا يمضي هذا النسق اللعوب في النوبة الغنائية. “وبي من الحب قد تسلسل/ سلسل في صورة الدمع بعدما انهل/ منهل والعود عندي لمن تأول/ أول والحسن فيه على المثاني/ ثان” حيث يتراوح ترجيع الذيل بين جزء من الكلمة الأخيرة أو كلها مع حرف سابق عليها، مع الحرص على توافق اللفظ وتخالف المعنى، ولا نتوقع في مثل هذا الموشح الذي يشغل واضعه بالتشقيق والتوفيق والإيقاع أن يبدع جديداً في دلالاته الغزلية، فالولع بإتقان صنعة الكلام يجعل التعبير هدفاً في ذاته فيقول: “وناطق بالذي كفاها/ فاها وبعدما راغبا أتاها/ تاها وبالجمال الذي سباها/ باهى قالت على الحسن من سباني/ باني” ومع أن هذا البيت يتضمن كلمة قالت التي تميز الخرجة عادة في الموشحات، غير أننا فضلنا أن نجعل هذا المقطع قبل الأخير، لأن التالي يتضمن جملة عامية هي التي تعطي للخرجة مذاقها الحريف كما يقول ابن سناء الملك، واللائق بالخرجة أن تتضمن هذا التفاوت في المستوى اللغوي، لما يترتب عليه من تطعيم وإدهاش وعدول عن السياق اللغوي الموحد المنتظم، على أن العلاقة بين “كفاها” مع “فاها”، و”أتاها” مع “تاها” و”سباها” مع “باهى” تتميز بتباعد الجذور اللغوية وتناسب الدلالة، ثم يختم بقوله: “وناظر ناضر المحيا/ حيا أراك من قوله إليا/ ليا فأنشدته لمن تهيا/ هيا/ واحد هو يا أمي من جيراني/ راني” والجملة الأخيرة تتضمن تمهيداً بفعل الإنشاد والحث المباشر بكلمة “هيا” قبل أن تساق العبارة العامية على لسان الفتاة التي تستنجد بأمها لأن واحداً من جيرانها قد رآها وفتنها، وهذه طرافة الموشحات الغنائية التي تدور غالباً في هذا الإطار لتعبر عن تجاور المستويات اللغوية من ناحية وتحاور الأسرة في نجواها الحميمة من ناحية أخرى، لتنقل ذلك إلى أفق من الشعرية الودودة.