صار للعربية يوم عالمي، حسِبه المتحمسون انتصارا للغة الضاد ـ هكذا توصف رغم ان كثيراً من مستخدميها يخطئون في كتابة الضاد، ولايقدرون على نطقه، أو يحرفونه زايا أو ظاء ـ وحجة المحتفين أن هذا اليوم رفع لغتنا لمصافّ لغات عالمية معتمدة دوليا، وكأن العربية بتراثها كله قرآنا وشعرا ونثرا، وتاريخها الأقدم بين اللغات الحية، وما كُتب فيها من آداب وفنون بحاجة لهذا الاعتراف المتأخر بها، واليوم الموهوب لها من اليونسكو أسوة بأيام أخر بينها ما يشبه الصدقات والتبرعات وتذكار المآسي والنكبات. إحدى المؤسسات المحتفية باليوم العالمي للغة العربية، وهي مؤسسة عربية فكرية، حجبت قبل اشهر جائزة الأدب من بين ما تمنح من جوائز سنوية لعدم استحقاق ما قُدم لها لنيل الجائزة. وهذا وحده تصويت لما آلت إليه عربيتنا التي تئن من المشكلات والإهمال، يذبحها الخطأ الشائع الشنيع علنا وفي منابر الإعلام والجامعات والمشاهد البصرية كاللافتات والإعلانات والعناوين، أو تتسلق على ثمار شجرها الجميل عاميات متدنية تعكس الأمية التي يرعبنا أن بيننا خمسين مليون عربي أمي كما تشير أحدث الإحصارات، أو تستهين بها اجتهادات بعض المترجمين فيُشيعون الخطأ وينشرونه على مستوى المصطلح والمعنى والدلالة ـ كم سنحتاج مثلا لنصحح عنوان رواية فكتور هيجو “البائسون” التي ترجمت للعربية بـ”البؤساء” وظل أغلب الكتّاب والدارسين يستخدمون البؤساء للفقر، فانقلبت الدلالة إلى القوة التي لا يمتلكها الفقراء العرب أو شخوص رواية هيجو! ـ والأدهى أن عدداً من الجامعات الغربية تدرّس طلابها اللهجات المحلية العربية بدل الفصحى. معالجو مشكلات العربية الثلاث: الخطأ والعاميات والترجمة، وقعوا أحيانا في الخطأ وأوقعوا اللغة في مآزق جديدة: المجامع اللغوية المتشددة تفرض مفردات غريبة، والمعرّبون يضعون للأجنبي آلة أو مادة نظيرا عربيا لا يكتب له الانتشار لصعوبته او تعقيده، والمنافحة عن الفصحى بوجه العامية تتم باستعلاء وازدراء، وجوه لأزمة العربية المعاصرة، أو عالمها اليومي الذي هو الأحرى بالمعاينة بديلا ليومها العالمي. كان جديرا بالمحتفين إحياء الدعوات للنظر في أساليب تدريس العربية ومناهجها، وضرورة تنقية نحوها مما علق به من رواسب واجتهادات، أثقلته ونفّرت دارسيه بما احتشد فيه من قواعد وتفريعات، وما زخرت به كتب النحو من جوازات وممكنات، وشروط ومزايا، فضلا عن الشواهد المصطنعة لتعزيز قاعدة ما. ولم يتنبهوا إلى ما تتعرض له جماليات اللغة العربية من مخاطر كضمور فن الخط وسط الهجمة التقنية، وبلبلة الألسن على مستوى. كم نحن بحاجة لما يبث في العربية روحا جديدة فلا يكون بمقدور مستشرق (لئيم) أن يصف خلو العربية من زمن المستقبل إلا بواسطة عامل أجنبي كالسين وسوف، بأنه يلائم وضع شعب بلا مستقبل، به حاجة دائمة لأجنبي يجعل لحاضره مستقبلا!