“شششش.. لو سمحتوا نريد أن نتابع الفيلم” نبهتنا سيدة تجلس في آخر الصف. تطلعنا لبعضنا غير مصدقين أن يتعامل أحد مع هكذا فيلم بشكل جدي. كنا نضحك ونتداول تعليقات ساخرة غير مصدقين ما نرى، هل هذا فيلم أم مقلب؟ ننتظر أن يظهر المخرج ويقول: حسنا الآن نبتدئ الفيلم الحقيقي. مرت نصف ساعة ولم يظهر أحد، يبدو أنه الفيلم حقا، تسحبنا من قاعة السينما المظلمة خارجين تاركين “شيرين” لمصيرها المرير. ويكفي ما أضعناه من وقت. “شيرين” فيلم كردي شارك مؤخراً في مهرجان دبي السينمائي. يستعيد “الفيلم” قصة الحب الأسطورية الشهيرة بين شيرين وفرهاد. ما حصل أن الفيلم نقل القصة بشكل مباشر أقرب إلى النكتة. بحيث أشعرنا بأنه مصنوع خصيصا لمعاهد السينما ليدرس الطلاب من خلاله كيف يجب أن لا يكون الفيلم السينمائي. فيلم في منتهى السذاجة لا يمكن إلا أن يكون مزحة. عندما أذهب إلى مهرجان سينمائي فأنا أتوقع أن أشاهد أفلاما بمستوى معين خاص، أفلاما مشغولة بعناية فنية عالية وبحساسية جمالية خاصة. وأتوقع أن تكون جميع الأفلام المشاركة هكذا. وأتوقع أن أجد هذا المستوى في أي فيلم يسمح لي وقتي الشخصي بدخوله، وليس فقط في بعض الأفلام المشاركة والتي يوصي بها غالبا المختصون بعضهم بعضا فينتشر خبر الفيلم الجيد لتمتد طوابير في انتظار خلو مقعد قد لا يخلو، لا أريد أن أقف في هذا الطابور لأشاهد فيلما جيدا، أريد أن أدخل أي فيلم تتوافر فيه مقاعد ويكون أيضا جيداً. فليس كل فيلم يتم إنتاجه يصلح أن يشارك في مهرجان سينمائي دولي. قد نختلف حول مستوى الجودة ولكننا يجب أن نتفق على الجودة في الأساس. صحيح أن المسألة تخضع للأذواق، لكن أيضاً هناك خطوط عريضة متفق عليها. فالمفترض أنها أفلام خضعت لتقييم لجنة مشاهدة مختصة ذات خبرة. أذهب إلى مهرجان السينما، أحتمل أجواء المركز التجاري المقيتة التي أكرهها، ضجة وصدى وجدران مغلقة باردة، أحتمل كل ذلك لأقضي وقتا ممتعا في مشاهدة فيلم مميز مختلف يخلق لروحي أجنحة ينعشني ويبهجني ويجعلني أشعر بالسعادة ولو لبعض الوقت، أو يشغل فكري فأتضامن مع عمق التجربة الإنسانية وإبهار الفن. للأسف في تجربتي المهرجانية الأخيرة، لم أتعثر إلا بأفلام بليدة مشاهدتها مضيعة بحتة للوقت. “اقتلني” فيلم ألماني فرنسي، تحاول البطلة أن تموت وتطلب من هارب من العدالة أن يقتلها، تكتشف في رحلة يخوضانها معا جماليات الحياة وتبدأ في التراجع النفسي عن الفكرة، الفكرة جميلة لكن المعالجة الإخراجية سيئة، سطحية متذبذبة لم تستطع إيصال عمق الفكرة. يأتي فيلم “مشوار” السوري ليتربع على عرش الفجاجة. مشاهد جنسية جافة فجة لا حساسية فيها ولا شعور، تمثيل بليد مصطنع تشعر بأن الممثلين ينقلون مع القبلات التي يتبادلونها وعيهم بأنهم يقدمون على فعل فاضح أمام الشاشة وليس قصة عاشقين يمارسان الغرام. يمكن للسينما أن تتناول كل المواضيع، لكن الحساسية الجمالية مطلوبة لتقديم عمل هو في النهاية “فن”. في النهاية أعتقد أن على المهرجانات السينمائية، استحداث جائزة جديدة بجانب جوائزها المعتادة، هي جائزة أسوأ فيلم. وأرشح “شيرين” للمركز الأول. Mariam_alsaedi@hotmail.com