قيل لإياس بن معاوية وهو من الخطباء ممن كان لا يكاد يسكت مع قلة الخطأ والزلل: ما فيك عيب إلاّ كثرة الكلام، قال: فتسمعون صواباً أم خطأً؟ قالوا: لا، بل صواباً، قال: فالزِّيادة من الخير خير، وليس كما قال؛ للكلام غاية، ولنشاط السَّامعين نِهاية، وما فَضَل عن قدْر الاحتمال ودعا إلى الاستثقال والمَلاَل، فذلك الفاضل هو الهَذَر، وهو الخَطَل، وهو الإسهاب الذي سمعت الحكماء يَعيبُونه، وذكر الأصمعي أن عمر بن هُبَيْرة لما أرادَهُ على القضاء قال: إنِّي لا أصلحُ له، قال: وكيف ذلك؟ قال: لأننِي عَيِيٌّ، ولأني دميم، ولأني حديد، قال ابن هبيرة: أما الحِدّة فإن السوط يقوِّمك، وأما الدمامة فإني لا أريد أن أُحاسِنَ بك أحداً، وأما العِيّ فقد عبّرتَ عمّا تريد، فإن كان إياس عند نفسه عييّاً فذاك أجدر بأن يهجر الإكثار، وبعدُ فما نعلم أحداً رمى إياساً بالعِيّ، وإنّما عابوه بالإكثار، وذكر صالح بن سليمان، عن عُتبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث، قال: ما رأيتُ عقولَ الناس إلاّ قريباً بعضها من بعضٍ، إلا ما كان مِن الحجّاج بن يُوسُف، وإياس بن معاوية؛ فإن عقولهما كانت ترجِح على عقول الناس كثيراً، وقال قائل لإياس: لِمَ تَعْجَلُ بالقضاء؟ فقال إياس: كم لكفّك من إصبَع؟ قال: خمس، قال: عجِلْتَ، قال: لَمْ يَعجل مَن قال بَعد ما قَتل الشيءَ علْماً ويقيناً، قال إياس: فهذا هو جوابي لك، وكان كثيراً ما يُنشِد قولَ النابغة الجَعْدِيّ: أَبَى لي البــــلاءُ وأنِّي امــرُؤٌ إذا ما تَبَيَّنْــتُ لم أرتُــبِ ومدح سلمة بن عياش، سَوّارَ بن عبد اللَّه، بِمثِل ما وصف به إياس نفسَه حين قال: وأَوقَـفَ عـند الأمـرِ ما لم يَضِحْ لـه وأمضى إذا ما شكَّ مَن كان ماضيا خطب عبيد اللَّه بن الحسن على منبر البصرة في العيد وأنشد في خطبته: أين الملوكُ التي عن حَظِّها غَفلَتْ حتَّى سقاها بكأسِ الموت ساقيها تلك المـدائنُ بـالآفـاقِ خـالـيةً أمست خلاءً وذاق المــوتَ بانِيها قال: وكان مالكُ بن دينارٍ يقولُ في قَصصه: ما أشَدَّ فِطام الكبير، وهو كما قال القائل: وتَرُوضُ عِرسَــكَ بعدما هَرِمَتْ ومن العــَنَاءِ رياضـة الـهَـــرِمِ ومثله أيضاً قول صالح بن عبد القدوس: والشـــيخُ لا يتـرُكُ أخـــلاقَـه حتَّى يُــوارَى في ثَـرى رَمْسِــهِ إذا ارعـــَوَى عـــادَ إلى جَهْلـه كــذي الضَّنَى عاد إلى نُكْسِه وقال كلثومُ بن عمرٍو العَتّابيّ: وكنتَ امرأً لو شئْت أن تَبلُغ المدى بَلَغْــتَ بأدنَى نعمـــةٍ تســـتديمُهـا ولكن فِطـامُ النَّفــسِ أثْقَلُ مَحْـمَـلاً من الصَّخـرةِ الصَّــمَاء حين تَرومُهـا Esmaiel.Hasan@admedia.ae